تخضع المخطوطات التاريخية والكتب النادرة لعملية ترميم دقيقة في ورشة التغليف و التجليد في مكتبة الأمة بأنقرة، ما يضمن الحفاظ عليها للأجيال القادمة.
وتجد الأعمال التاريخية التي تعود إلى قرون والتي صمدت أمام اختبار الزمن، العزاء في ورشة التجليد في مكتبة الأمة بعد خضوعها لعملية ترميم دقيقة باستخدام تقنيات خاصة.
وتعد الورشة موطناً لمجموعة كبيرة من المخطوطات النادرة والكتب المطبوعة العتيقة والوثائق التاريخية، وكلها تم إصلاحها بعناية وأصبحت أكثر حيويةً كما لو أنها تتلقى "لمسة علاجية".
وبعد فحص الأغلفة والأوراق المهترئة للأعمال الأدبية والفنية من قبل الخبراء، تبدأ عملية الترميم وفقاً للوثائق وتحديد الأولويات. ويتم تنفيذ العمل بأقل قدر من التدخل مع الحفاظ على الشكل الأصلي المصمم حسب احتياجات كل عمل فني.
وبمجرد الانتهاء من عمليات الترميم، يتم توثيق الأعمال ثم حفظها في مناطق التخزين التي تتوافق مع مبادئ الحفظ الوقائي، مع ضمان الصيانة الدورية والتفتيش.
وقدمت مهرجان كيليج أوزار منسقة الأعمال في ورشة التجليد بالمكتبة الواقعة في العاصمة التركية، شرحاً مفصلاً عن عملية الترميم والحفظ لهذه الأعمال القيمة. وأكدت أن جهود الاستعادة تلتزم بصرامة بالمعايير الأخلاقية والمبدئية العالمية.
وأضافت: "يتألف المرفق من وحدات مختلفة، تشمل وحدة درجة الحرارة المنخفضة وغرفة الحجر الصحي وورش التنظيف الجاف والرطب ومختبر للبيولوجيا والكيمياء واستوديو للتصوير الفوتوغرافي وغرف خاصة للوقاية ومناطق تخزين المواد. ويتألف الفريق من خبراء في الحفظ والترميم والفنون التقليدية وعلم الأحياء والكيمياء، إضافةً للطاقم الفني".
وأوضحت أوزار أن تركيز أعمال الترميم ينصب في المقام الأول على مجموعة المكتبة من الأعمال التي لا تقدر بثمن. وتبدأ العملية بتوثيق دقيق، متبوعاً بتحديد الضرر من خلال إجراءات التنظيف الجاف.
ونظراً للطبيعة الفريدة لكل عمل، أكدت أوزار أن عملية الترميم تختلف باختلاف حالة الكتاب. وقالت: "تختلف مدة الترميم والتجديد تبعاً لمستويات الإهتراء. وفي حين أن بعض الكتب قد تستغرق ما يصل إلى عام لتجديدها، يمكن إكمال البعض الآخر في غضون أسبوع. ونحن نعطي الأولوية للترميم بناءً على مدى إلحاح كل عملٍ وأهميته. وفي الحالات التي يتم فيها الكشف عن الإصابة بالحشرات أثناء التنظيف الجاف، تخضع الكتب المصابة للعلاج لمدة 24 ساعة في مرفق التخزين البارد الخاص بنا عند درجة حرارة أقل من 40 درجة مئوية. وبعد هذه الإجراءات، يتم تخزين الأعمال في صناديق حفظ خالية من الأحماض، ما يضمن حمايتها مدة طويلة ثم تُنقل إلى مناطق تخزين مصممة خصيصاً".
وهناك جانب آخر رائع لعملية الترميم وهو رقمنة الأعمال، حيث كشفت أوزار أنه كجزء من الإجراءات، يتم رقمنة كل كتاب بدقة، ما يؤدي إلى إنشاء سجل رقمي شامل. وقالت: "نقوم برقمنة الكتب المكتوبة بخط اليد صفحة تلو الصفحة. ويمكن للباحثين الوصول إلى هذه النسخ الرقمية للمراجعة الأولية. ومع ذلك، عندما يرغبون في تصفح الكتاب الورقي، فإننا نقدم لهم إرشادات الخبراء أثناء دراستهم للكتاب".
وتمثل ورشة تجليد الكتب دليلاً على الالتزام والتفاني من أجل الحفاظ على تراثنا الثقافي. ومن خلال جهود الترميم الدقيقة تجد هذه الأعمال التي تعود إلى قرون، تجديداً وعنايةً تضمن وصولها للأجيال القادمة لتقدير جمال تاريخنا المشترك.
يذكر أن بناء مكتبة الأمة بدأ عام 2015 بتوجيه ودعم الرئيس رجب طيب أردوغان. وتغطي هذه المكتبة الشاسعة مساحة 125.000 متر مربع ويمكن أن تستوعب ما يصل إلى 5.500 زائر في وقت واحد.
وتضم مجموعة المكتبة موارد واسعة النطاق، بما في ذلك 2.039.000 مصدراً مطبوعاً و 1.999.633 إصداراً من 13.294 مجلة مطبوعة. كما تضم 665.000 كتاباً إلكترونياً و 7 ملايين أطروحة إلكترونية و 209 ملايين مقالة وتقرير من حوالي 77.000 مجلة إلكترونية عبر 67 قاعدة بيانات يمكن الوصول إليها.
وتتبع المكتبة نهجاً حديثاً لأمانة المكتبات، ما يضمن إتاحة مصادر المعلومات بسهولة للمستخدمين.
وتستمر المكتبة في توسيع وتعزيز مجموعتها من خلال تضمين مجموعات خاصة من الأفراد المتبرعين داخل تركيا وخارجها. ويساهم هذا الجهد المستمر في توسيع موارد المكتبة المتنامية والمتنوعة باستمرار.