عمر الخيام: الحكيم الذي أبهر العالم بثقافاته الغنية

ديلي صباح ووكالات
إسطنبول
نشر في 08.12.2021 15:59
ضريح الخيام في إيران Getty ضريح الخيام في إيران (Getty)

كانت مدينة نيسابور التاريخية التي تقع حالياً شرق إيران، تتربع على طريق الحرير وتتمتع بأهمية سياسية وثقافية جعلتها مركزاً مزدهراً للفنون والحرف اليدوية والفلسفة والتجارة في العصور الوسطى. ولا تزال المدينة إلى يومنا الحالي تحافظ على شهرتها بفضل عمر الخيام النيسابوري، رائد الآداب والعلوم الذي نشأ وترعرع فيها.

ويوجد اليوم داخل مجمع حدائق ضخم في المدينة، نصب تذكاري من الرخام الأبيض يرمز لفيلسوف القرن الحادي عشر متعدد الثقافات يضم نقوشاً لقصائده داخل معينات حجرية مزخرفة. وهو أحد أهم مناطق الجذب السياحي في المدينة.

متحدثاً إلى وكالة أنباء الأناضول قال نادر مرادي وعمره 30 سنة وهو زائر متكرر ودليل سياحي، أن حديقة الخيام "منزل ثان" له ولغيره من السكان المحليين، يجتمعون فيها للتامل أو الاحتفال أو الحزن أو عزف الموسيقى أو ترديد الشعر.

وأضاف: "إنها ملاذ روحي" مستشهداً بنبوءة الخيام الشهيرة بأنه سيدفن حيث "الزهور في فصل الربيع ستلقي بتلاتها على رفاته".

ومضى يقول: "الخيام جزء لا يتجزأ من هذه المدينة، وتاريخها وروحها وهويتها" مشيراً بيده إلى بيته الذي يقع على بعد بنايات فقط من الحديقة التي تضم أيضاً ضريح الشاعر الصوفي عطار النيسابوري وضريح إمام زاده محرق اللذان يعتقد أنهما من نسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

ويمثل النصب التذكاري في الحديقة اندماج الفن الحديث بالتقليدي، وهو ينبض بالحياة في المناسبات الخاصة مثل رأس السنة الإيرانية أو عيد النيروز وكذلك عيد ميلاد الخيام والذكرى السنوية لوفاته.

ولكن لماذا لحقت الشهرة والشعبية بالخيّام منذ عصره وإلى يومنا هذا؟

اكتسب عمر الخيام الذي عاش في أواخر القرن الحادي عشر وأوائل القرن الثاني عشر، شهرةً محلية وعالمية كعالم رياضيات وفلك وفيلسوف عبقري. لكن شعره جعل منه نجماً لامعاً في الغرب بشكل رئيسي، وذلك بفضل الترجمة الإنجليزية لقصائده الفريدة التي جعلها مقسمة ضمن رباعيات عرفت باسمه واشتهرت بـ "رباعيات الخيام".

وحول مكانته العلمية ومساهمته في علم الرياضيات والفلك قال المؤرخ البارز وعالم الاجتماع أبو مهريزي خورميزي، إن براعة الخيام في الرياضيات وعلم الفلك، دفعت به إلى مكانة مرموقة بين معاصريه في الشرق والغرب.

وأضاف: "قدم الخيام مساهمات رائعة في الجبر والهندسة مع أعمال أساسية باسمه مثل رسالة في شرح مسائل الجبر".

وكان علماء الرياضيات المسلمون مثل "عيسى ماهاني" في القرن التاسع و"منصور الخزيني" في القرن الحادي عشر قد حوّلوا في وقت سابق المسائل الهندسية إلى معادلات جبرية ، لكن الخيام شق طريقاً جديداً من خلال أطروحته حول المعادلات التكعيبية.

وقال خورمزي: " الخيام أيضاً هو أول من أعطى مفهوم رباعي الأضلاع ، قبل أكثر من ستة قرون من نشره من قبل عالم الرياضيات الغربي جيوفاني جيرولامو في كتابه المنشور في أوائل القرن الثامن عشر".

وأوضح: "لم يكن هناك ما يوقف عبقريته إذ تابع الخيام اكتشاف ما يُعرف بمثلث الخيام، وهو نموذج فريد أعاد صياغته عالم الرياضيات الفرنسي باسكال، كما نشر أيضاً عملاً عن الهندسة غير الإقليدية أو ما يعرف بالهندسة الفراغية".

أما في مجال الفلك فإنجازه الرئيسي هو اختراع التقويم الجلالي، بتكليف من الحاكم السلجوقي جلال الدين شاه الأول سلطان خراسان، والذي ثبت أنه أكثر دقة من التقويم الغريغوري الذي تم تطويره أواخر القرن السادس عشر.

وتحدث رضا وحيدي الباحث بجامعة شهيد بهشتي في طهران عاصمة إيران قائلاً: "معظم أفكاره المتعلقة بعلم الفلك تبلورت خلال فترة وجوده في أصفهان، عاصمة حكام السلاجقة في ذلك الوقت".

وأضاف: "قاد الخيام فريقاً من علماء الفلك في أصفهان وأنتج التقويم الجلالي، كما قام بتسجيل ملاحظات كوكبية رئيسية ضمّنها في كتابه الدليل الفلكي للخيام".

ومن الملفت أن الشاعر الإنجليزي إدوارد فيتزجيرالد اعتبر الخيام مصدر إلهامه الأول حين ترجم شعره إلى الإنجليزية في عام 1859.

و"رباعيات عمر الخيام" التي ترجمها فيتزجيرالد هي التي قدمت "الشاعر والفلكي" المسلم إلى العالم الغربي، ما دفع الشاعر والناقد جون روسكين إلى القول عام 1863 إنه "لم يقرأ أبداً أي شيء بهذه العظمة".

وقال وحيدي الذي يعتبر نفسه "معجباً" بالخيام: "بالرغم من الاستجابة البطيئة في البداية، فقد جذب الكتاب لاحقاً خيال متنوعي الميول الثقافية في الغرب، لأنه سلط الضوء على الخيام الشاعر".

وأشار إلى أنه في العقود اللاحقة، ظهرت أندية المعجبين بأدب الخيام في المدن الأوروبية الكبرى، ووصلت رباعياته إلى كتاب أكسفورد للاقتباسات.

وفي مقابلة معه قال قادر حسن أسرار، الباحث في الأدب الفارسي: "شعر الخيام المكتوب في رباعيات، يدور حول فكرة عيش اللحظة والعيش على أكمل وجه، والتي ربما لا تزال تروق للجمهور الغربي. لقد ظل شعره متفرداً على القمة لقرون عديدة".

مضيفاً أن شعر الخيام يتضمن عناصر فلسفية أيضاً، مع تركيز عميق على مشاعر مثل الأمل والتوق والخوف والقلق والمتعة.

يذكر أن حياة الخيام وأعماله لا يزال صداها يتردد على نطاق واسع منذ ما يقرب من 10 قرون منذ وفاته، وأحد الأمثلة على ذلك فيلم من إنتاج هوليوود عام 1957 وإخراج ويليام ديترل، يحمل اسم الشاعر عمر الخيام ويحكي قصة حياته التي يعتبرها الناس ثرية ومبدعة، كما عبر عن ذلك مرادي قائلاً: "حياة الخيام وإرثه يلهمان ويعطيان الأمل حتى في هذه الأوقات القاتمة. وهذا ما أرادنا هو أن نتذكره من أجله".