تحولت كاتدرائية الثالوث المقدس، وهي كنيسة صربية تاريخية تقع في وسط مدينة "موستار" في البوسنة والهرسك، إلى رمزٍ للتسامح بين الأديان بعد 25 عاماً من انتهاء الحرب البوسنية.
ومع اقتراب أعمال ترميم الكاتدرائية من نهايتها، تلقت الكنيسة هدية خاصة من أتباع الديانات السماوية الثلاث، هم بوسنوي مسلم وكرواتي كاثوليكي وصربي أرثوذكسي، مما يدل على أن التسامح بين الأديان لا يزال حياً في المدينة.
وتبرع الأصدقاء الثلاثة الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم مع اختلاف دياناتهم، بثلاث ساعات كبيرة طلبوا وضعها على الجوانب الثلاثة لبرج الكنيسة. وتحمل كل ساعة أرقاماً مختلفة عربية ورومانية وسلافية، لترمز إلى اختلاف وتنوع ديانات أصحابها في تناغم دافئ جمع بينهم.
وفي معرض حديثه إلى وكالة أنباء الأناضول قال "دوسكو كوتجي" كبير أساقفة "موستار" إن فاعلي الخير الذين تبرعوا بالساعات هم 3 أصدقاء من أصحاب النفوس الطيبة ومن ديانات مختلفة. وهي في الواقع رسالة لطيفة للغاية وما زاد في روعتها أنهم لا يريدون الكشف عن أسمائهم.
وأضاف: "هذا يثبت أن البوسنة والهرسك بلد يمكن للناس فيه أن يحبوا بعضهم البعض وأن يعيشوا في سلام".
وكانت كنيسة الثالوث المقدس أكبر كنيسة في البلقان حين بنيت بدعم وتمويل من السلطان عبد العزيز، السلطان الـ 32 للإمبراطورية العثمانية الذي حكم بين عامي 1861 و1876. وبقيت الكاتدرائية مقراً مركزياً ومنطقة كنسية خاضعة لسلطة أسقف "زاهوملي" و"الهرسك" من عام 1873 حتى تدميرها.
وقال المؤرخ "سردار يفتش" إن الأرض التي بنيت عليها الكنيسة تبرع بها المشير الميداني العثماني والحاكم في ذلك الوقت"عمر لطفي باشا" (1806-1871)، الذي ولد لأبوين صربيين مسيحيين من الأرثوذكس واعتنق الإسلام فيما بعد.
وذكر "سردار فيتش" أن حالات مماثلة من التسامح الديني والسلام والوحدة حدثت بين عامي 1863 و1873 عندما شيدت الكنيسة لأول مرة. وأكد أن "ثقافة التعايش استمرت لقرون طويلة حتى اليوم. وأن الأشخاص الذين يعيشون في البوسنة والهرسك يحتفلون بالأعياد معاً حتى لو كانت معتقداتهم مختلفة".
وأضاف المؤرخ أن جمعية "اتحاد موستار الإسلامي" قدمت أيضاً مساعدة مالية لترميم كنيسة الثالوث المقدس المدرجة في قائمة التراث العالمي لليونسكو وكذلك إلى مشروع مدينة "موستار" التاريخية.
وكانت "موستار" المدينة التي يعيش فيها عدد قليل من الصرب الأرثوذكس، قد شهدت أوقاتاً صعبة واشتباكات عنيفة خلال الحرب والنزاع بين القوات البوسنية والكرواتية. كما عانت الكنيسة أيضاً ودُمرت بالكامل تقريباً خلال الحرب بين عامي 1992 و 1995. لكن أعمال الترميم بدأت فيها عام 2010 لتعيد لها جمالها المعماري وقيمتها التاريخية وأثرها في استمرار جو التسامح الديني والسلام.