أراضي الأناضول واحدة من أكثر الأراضي خصوبة في العالم. وقد ازدهرت هذه المنطقة عبر التاريخ بفضل جمالها الطبيعي الذي حباها به المولى، إلى جانب موقعها الاستراتيجي في ملتقى طرق التجارة الرئيسية وتيارات الهجرة. وقد توالت الحضارات على أرض الأناضول وعمرتها واستوطنتها بفخر واعتزاز، وتركت بصمات من الروائع التي تعكس تنوعاً في الثقافة وفهماً للحياة لا زال يتدفق جيلاً بعد جيل.
ومن أهم المواقع الثقافية في تركيا التي تم الاعتراف بها من قبل قائمة اليونسكو للتراث العالمي، الجامع الكبير ومستشفى ديفريغي في ولاية سيواس شرق تركيا، اللذان يكشفان عن بقايا حضارات الماضي المذهلة.
يعد بناء الجامع الكبير ومستشفى ديفريغي واحداً من أفضل الأمثلة على العمارة التركية المبكرة في الأناضول. وهو من تصميم وبناء المهندس المعماري هرّم شاه بن موسى بناءً على أوامر الأمير أحمد شاه، عام 1229. وقد بني على شرف النصر التركي ضد الإمبراطورية البيزنطية في معركة ملاذكرد عام 1071.
من أبرز معالم هذه التحفة المعمارية الضخمة هو جمال الهندسة المعمارية بديعة الصنعة، وتزيينات النحت الحجرية التقليدية التي تعكس نمط العمارة في الأناضول. ويضم البناء مسجدين قائمين حتى يومنا هذا، ومستشفى ومقبرة. وقد دخل البناء قائمة التراث العالمي لليونسكو لأول مرة عام 1985.
يتميز مبنى المسجد الكبير بغرفة واحدة للصلاة تتوجها قباب مهيبة. وتزين القباب وكذلك الأعمدة التي تحمل المبنى نقوش حجرية. وبالرغم من التماثل الظاهري الذي تبدو عليه الزخارف عند النظر إليها من مسافة بعيدة، إلا أنها في الواقع غير متماثلة، إذ تتكون من عشرات الآلاف من التصميمات المتميزة التي لا يتكرر أي منها. وتشير مجموعة الزخارف المنحوتة أيضاً إلى أن تنفيذها قد تم بواسطة مجموعات مختلفة من الحرفيين. ويمثل البناء بشكل عام نموذجاً فريداً في العمارة الإسلامية، وواحداً من أكثر الأمثلة استثنائية للفن الإسلامي في العالم.
أما المسجد الثاني فهو مثال رائع عن نمط المساجد السلجوقية في الأناضول، ورغم عدم وجود فناء فيه أو أعمدة أو حوض للوضوء، إلا أنه ينظم جميع الوظائف الدينية في منطقة مغلقة، بصرف النظر عن ديكوراته الحجرية، بالإضافة إلى هيكله الفريد. ويرى الخبراء أنه بسبب الظروف المناخية القاسية في المنطقة، أراد المهندس المعماري بناء المجمع ضمن كتلة واحدة لحماية زواره والمقيمين بداخله من البرد خاصة أثناء الشتاء القارس.
ويتصل المستشفى بالمسجد عبر ممر من جهة الغرب. وبالرغم من بوابته المزخرفة الضخمة إلا أن الزخارف ليست مركزة داخل المستشفى أو بيت الشفاء كما تشير الكتابة الموجودة على المبنى. وقد اعتبر المستشفى في عصره ثورة حقيقية في عالم الطب لأن معظم العلاجات فيه كانت تعتمد على الماء والموسيقى بشكل رئيسي. ويضم المستشفى أيضاً مقبرة مخصصة لأفراد الأسرة الحاكمة، يفصلها عن المستشفى جدار يجعلها تبدو كجزء منفصل عنه.
ويعتقد أن المبنى التاريخي قد خضع لترميم واسع في القرن 15 و19 و20. ومع ذلك، لم تعرضه عمليات الترميم لأي نوع من الخطر.