سقطت الخلافة العربية في الأندلس بعد امتثال الملك أبوعبد الله محمد الثاني عشر للمحكمة أمام إليزابيث الإسبانية وبحضرة مندوبها كريستوفر كولومبوس، حينما سلم مفتاح غرناطة، ليظهر بينهم شيطان الإنس الكاردينال فرانثيسكوخيمينيث دي ثيسنيروس، كاتم سر الملكة ورجل الدولة، ليتولى اضطهاد المسلمين واليهود (ومن يحلو له تسميتهم الزنادقة من النصارى) فيما عُرف باسم محاكم التفتيش، ليعذب الأبرياء تعذيبا مريرا ما شهد التاريخ بشاعة تسبقه أو تعقبه بتهمة هويتهم العرقية والدينية، بعنصريةٍ فاقت النازية وبعنف يُخجل جهود جاكنيز خان! صنع أهوالا من تصاميم مكنات حديدية تخدم خيالات التشفي المريضة. ولكن يبقى قوله تعالى :(عَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوخَيْرٌ لَكُمْ) متجدد المعنى في سلاسل تاريخنا الإسلامي، فقد ولدت من رحم هذه المآسي أخوة تركية-أمازيغية-عربية لا تمحى.
فبسبب تلك الأحداث، حركت الخلافة العثمانية أسطولها لنجدة العرب والأمازيغ واليهود من النساء والشيوخ والأطفال لإقالتهم من أراضي الموت الإسبانية والبرتغالية إلى كلٍ من المغرب والجزائر (مما يضم إلى قائمة أفضال المسلمين على اليهود). فلقد وثق التاريخ بطولة أمير الأسطول العثماني المشهور خير الدين بربروس في سبع رحلات له لإنقاذ سبعين ألف مسلم أندلسي في أكبر عملية إغاثية في زمانه.
فبعد تحرك 37 سفينة من الأسطول، اطمأنت أفئدة الأندلسيين لوطء أقدامهم، ذات أثر الوضوء، أراضي الجزائر لكي يلملموا أشتات قلوبهم المكسورة وأفئدتهم المشروخة على فراق نعيم قلعة المحمرة وأشجار برتقالها التي تغنى تحت ظلاها أباؤهم لأمهاتهم، وذرفت عيون علمائهم الدموع على مكتباتهم (مثل ابن خلدون) التي أسست عصر التنوير لأوروبا الظلام. فحتى أمريكا كانت خريطة قارتيها وقارتي القطبين الجنوبي والشمالي الجليدي مرسومة بأيادي بيري ريس المسلمة، كما أكدنا ذلك بمقالة "هل العثمانيون اكتشفوا أمريكا"؟ فبعد هذه الأحداث العصيبة والمتزامنة مع رحلة كولومبوس، صاح الكاردينال فرانثيسكوفي الإسباني بأن غزو الجزائر حان وإفناء الأندلسيين آن! فهاجت ثائرة الأتراك الأشاوس.
فكان أخ خير الدين ويدعى عروج بربروس مشغولا في إنقاذ ما تبقى من الأندلسيين من جهة الغرب البرتغالي، ثم تظافرت جهوده مع أخيه لردع كيد الحقد الإسباني بحريا بالأساطيل العثمانية، التي كان الكثير من الأوروبيين يدفعون لها الجزية وهم صاغرون لجلالة قوتها المتفوقة عالميا. فدحروا الإسبان بعد طول معارك وسجال، أرشفتها صفحات أمواج البحر المتوسط بحبر الدم الأحمر، فكان النصر لأمة محمد صلى الله عليه وسلم. وقبل انصراف الأتراك، أعرب الجزائريون عن أمنيتهم بتأسيس دولة جزائرية تقي المسلمين شر الحاقدين. فتأسست هذه الدولة القوية التي ثبتت لثلاثة قرون، وبها انضمت الجزائر، رغباً وليس رهباً كما يروج له الغرب، إلى عضويةٍ مباركةٍ مع الخلافة الإسلامية العثمانية.
وقد استدعى ذلك المدير العام للأرشيف التاريخي للجمهورية الجزائرية عبد المجيد الشيخي ومجموعة من المؤرخين الجزائريين في يوم الناس مناشدة علنية لنفض الغبار عن السيرة المشتركة لتركيا والجزائر. كما أعلنت الحكومة التركية مشروعا لترميم حي القصبة "لؤلؤة مدينة الجزائر"، الذي بني إبان العصر العثماني والذي للأسف تضرر أثناء الاحتلال الفرنسي كما أن العوامل الطبيعة أتت على ما تبقى من بهائه، ورغم ذلك تم تصنيفه عالميا كموروث إنساني فخم. فحينما تتجول في الجزائر وتشاهد المدافع الأثرية العثمانية والمساجد الشامخة التي بنيت بأيد تركية، ستدرك كيف دفع شبح التنصير عن المسلمين، وإن الهلال العثماني على الأعلام الجزائرية ليرشدنا إلى التاريخ الإسلامي الموحد المجيد ولينشد أثير السماء من جديد، ما تفوه به عساكر الأساطير:
من أين تأتي أصوات هذه المدفعية في أفق البحر؟
دنيز ؤفوقوندا بوتوپ سسليري نردن گليور؟
ربما برباروس عائداً مع الأسطول من السفر.
بارباروس بلكي دونانمايلا سفردن جليور.
أمن الجزر؟ أمن تونس؟ أمن الجزائر؟
أدالا ردان مي؟ تونس دن مي؟ (جزاير) دي مي؟
حُرٌّ في الآفاق أسطوله مئتا سفينة كاملة التسليح!
حر ؤوفوقلارده دونانىش إكيوز پاره گمي!
من مكان ميلاد القمر الجديد يأتي! (الأندلس)
يني دوغموش أيا باكتىكلارى يردن گليور.
تلك السفن المباركة من أي شفق السحر تأتي؟ (البحر الأطلنطي من غرب البرتغال)
ؤمبارك گميلر هانگي سحردن گليور؟
الكاتب جري سالم الجري.