مع دخول شهر رمضان المبارك، أظهرت "خيام الخير" التضامن والتآزر الشعبي والحكومي مع المنكوبين من الزلزال، لتنسيهم المعاناة والأضرار التي تعرضوا لها.
ففي مخيمات الإيواء بمدينتي نورداغي وإصلاحية في ولاية غازي عنتاب جنوبي تركيا، اتسعت "خيام الخير" لتستضيف آلاف الصائمين للإفطار على موائد الرحمن التي ينظمها الأهالي والمؤسسات الحكومية.
مسؤولو المخيمات زينوا مداخلها بالأضواء الملونة المميزة، في محاولة لمحاكاة "أضواء المحيا" التي تعانق مآذن مساجد تركيا خلال رمضان وتحمل عبارات مضيئة، لكنها غابت هذا العام عن مساجد المدينتين بسبب الزلزال.
تعد المدينتان من أبرز المدن التي تضررت في زلزالي 6 فبراير/ شباط 2023، اللذين ضربا جنوبي تركيا بقوة 7.7 و7.6 درجات، تبعهما آلاف الهزات الارتدادية، ما تسبب في سقوط ضحايا وخسائر واسعة.
خيام الخير
في أجواء روحانية مميزة، أنشأت السلطات المحلية في مخيمات الإيواء التي تضم بيوتا مسبقة الصنع (كونتينر)، خيام إفطار لاستقبال الصائمين من الرجال والنساء والأطفال وكبار السن على موائد الرحمن.
ومن بين "خيام الخير" التي تستضيف آلاف المنكوبين، خيمة وقف الديانة التركي التابع لرئاسة الشؤون الدينية (حكومية) بمخيم نور داغي، التي سعت إلى مساعدة الأهالي على تجاوز ذكرياتهم الأليمة وتعويضهم ولو بالقليل عما حرموا منه.
داخل الخيمة التي تقدم الإفطار لأكثر من 600 صائم، تصطف الكراسي والطاولات بشكل متلاصق، يدخل الصائمون إليها تباعاً مع اقتراب موعد الإفطار، ليحصل كل منهم على وجبته، ثم يجلسون في أماكنهم.
وفي محاولة لنشر البهجة بدخول الشهر الفضيل، والتغلب على قسوة الأوضاع التي يعيشها النازحون، يحاول المسؤولون عن الخيمة نشر أجواء روحانية بين الحاضرين، إضافة إلى تعليق زينة وكتابات ترحب ببركات رمضان.
استعدادات مسؤولي الدولة والمخيمات لرمضان، شملت أيضا تحضير 80 خيمة لاستخدامها مساجد، جرى إيصال جميع الخدمات إليها، مع إصلاح أنظمة الصوت في الجوامع المتضررة لرفع الأذان والصلوات خلال الشهر الفضيل.
روحانيات مميزة
أثناء تجهيز الإفطار وجلوس الصائمين في أماكنهم، يصدح منشدو "وقف الديانة" بالأناشيد الرمضانية المحببة إلى الشعب التركي، عبر أصوات عذبة وكلمات تبعث على البهجة والسرور.
ومع اقتراب موعد الإفطار تتصاعد الحركة أكثر داخل الخيمة من قبل العاملين والمتطوعين لمساعدة الأسر على نقل طعامهم والجلوس إلى الطاولات، فيما تزداد الأجواء الروحانية.
بحلول وقت الإفطار، يرفع أحد المنشدين أذان المغرب بصوته العذب داخل الخيمة، وبانتهائه ترتفع الأيادي إلى الله مبتهلة وداعية بالقبول والغفران، وتلهج القلوب بالدعاء أن يخفف الله عنهم آلامهم ويصبرهم على البلاء.
ومع الانتهاء من الدعاء، يبدأ الصائمون تناول وجبات إفطارهم وسط حرص من المسؤولين الأتراك على الوجود في "خيام الخير" والمشاركة في الإفطار، حتى لا يشعر المنكوبون أنهم وحدهم.
ومطلع رمضان، شارك وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو، الإفطار مع المتضررين في نور داغي بغازي عنتاب، فيما حل رئيس البرلمان مصطفى شنطوب ضيفا على موائد المتضررين في ولاية هطاي جنوب البلاد.
وتوزع المسؤولون الأتراك للإفطار مع المنكوبين في الولايات الإحدى عشرة المتضررة من الزلزال، وهي قهرمان مرعش، وغازي عنتاب، وشانلي أورفة، وديار بكر، وأضنة، وأديامان، وعثمانية، وهطاي، وكيليس، وملاطية وألازيغ.
أمسيات رمضان
بعد الإفطار، عملت السلطات في غازي عنتاب على جعل أمسيات رمضان ذات بُعد روحاني واجتماعي، لذا فقد أنشأت ساحة فعاليات ونشاطات للكبار والشباب والأطفال في مخيم نور داغي.
تبدأ الفعاليات قبل الإفطار بعروض للأطفال، وتستمر بعده لتشمل الكبار، مع توزيع أطعمة وحلويات رمضانية مختلفة، إضافة إلى الشاي والمشروبات الأخرى.
ومنذ بدء رمضان، استقبلت ولاية غازي عنتاب المصلين في المساجد وخيام المصليات التي رتبتها ونظفتها، إلى جانب التجهيز لإجراء "المقابلة" في أوقات مخصصة للرجال والنساء.
و"المقابلة" ختمة قرآنية جماعية تجرى جهراً في كل جوامع ومساجد البلاد تقريباً، وكذلك في البيوت بمشاركة مختلف الأعمار، وهي عادة مستمرة منذ زمن العثمانيين.
ومع بداية رمضان، استكملت الولاية أيضاً استعداداتها للبدء مجدداً بتقديم دورات القرآن للأطفال ضمن 19 مركزاً في كل من نور داغي وإصلاحية، مع تخصيص مساجد للنساء.