تقدّمت كندا وهولندا بشكوى أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد النظام السوري على خلفية اتهامات بـ"التعذيب"، وفق ما أعلنته المحكمة الاثنين، في أول قضية أمام أعلى محكمة للأمم المتحدة مرتبطة بالحرب في سوريا.
وقالت محكمة العدل الدولية، في بيان، إن هولندا وكندا اتهمتا النظام السوري بخرق اتفاق للأمم المتحدة ضد "التعذيب وغيره من أساليب المعاملة القاسية"، بما فيها "استخدام أسلحة كيميائية".
وطلبتا من المحكمة اتخاذ إجراءات عاجلة، بما في ذلك إصدار أوامر للنظام السوري بالإفراج عن السجناء المحتجزين تعسّفياً والسماح للمراقبين الدوليين بدخول مراكز الاحتجاز.
وطلبت كندا وهولندا من محكمة العدل الدولية أن تطلب من نظام بشار الأسد "وقف ومنع جميع الأفعال التي ترقى إلى مستوى التعذيب أو تساهم فيه وفي غيره من أساليب المعاملة أو العقوبة، القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة".
وقالت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي ونظيرها الهولندي فوبكه هويكسترا، في بيان مشترك: "لا يمكن أن يكون هناك سلام دائم ومصالحة دائمة في سوريا بدون... تحقيق العدالة لضحاياها وللناجين".
ومن المتوقع أن يعقد قضاة محكمة العدل الدولية الجلسات الأولى بشأن القضية في المستقبل القريب، لكنّ المحكمة لم تحدّد موعداً لذلك. وقد يستغرق أيّ حكم نهائي سنوات قبل صدوره.
"انتهاكات لا تُحصى"
لطالما كان هناك استياء في العواصم الغربية بسبب عدم وجود خطّة أوسع لتقديم هذه القضية أمام القضاء الدولي.
وأطلق الهولنديون أول محاولة في هذا الإطار في أيلول/سبتمبر 2020 لتحميل ا مسؤولية لنظام السوري الانتهاكات المفترضة لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، التي وقّعت عليها دمشق، وانضمّت كندا إلى القضية في آذار/ مارس التالي.
وقال مصدر دبلوماسي لوكالة الأنباء الفرنسية إنّ النظام السوري كانت "يعطّل" الجهود لترتيب محادثات مع الهولنديين والكنديين، الذين قرّروا بعد ذلك إحالة القضية إلى محكمة العديل الدولية.
وأنشأت المحكمة بعد الحرب العالمية الثانية للتعامل مع النزاعات بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والتي عادة ما ترتبط بانتهاكات مفترضة للمعاهدات الدولية.
وقال الهولنديون والكنديون إنّ النظام السوري "ارتكب انتهاكات لا تُحصى للقانون الدولي" منذ العام 2011.
وأشارتا إلى أنّ هذه الانتهاكات تشمل "المعاملة المقيتة للمعتقلين والظروف غير الإنسانية في أماكن الاحتجاز والاختفاء القسري واستخدام العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف ضد الأطفال".
وأضافتا أنّها تشمل أيضاً "استخدام أسلحة كيميائية في ما يعدّ ممارسة مقيتة بشكل خاص لتخويف السكان المدنيين ومعاقبتهم، ممّا أدى إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى، والمعاناة الجسدية والعقلية الشديدة".
وطلبتا من محكمة العدل الدولية إصدار أوامر للنظام السوري من أجل وقف "الاعتقال التعسّفي" والإفراج عن المحتجزين بشكل غير قانوني، والكشف عن مواقع دفن الأشخاص الذين ماتوا رهن الاحتجاز، والحفاظ على أيّ دليل بما في ذلك السجلّات الطبية.
"طريق طويل"
وقال هويكسترا إنّ "عرض هذه القضية أمام محكمة العدل الدولية هو خطوة تالية رئيسية على الطريق الطويل لتحقيق الهدف".
ولم يصدر ردّ فعل فوري من دمشق على القضية المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية.
ونفى نظام الأسد مراراً استخدام أسلحة كيميائية على الرغم من أنّ منظمة مراقبة الأسلحة الكيميائية عالمياً وجدت أنّ قواته استخدمتها بشكل متكرّر ضدّ الشعب السوري.
ولم يسبق للنظام السوري أن واجه محاكم دولية ربطاً بالحرب التي قُتل فيها أكثر من 500 ألف شخص واندلعت بعدما شنّ الرئيس بشار الأسد عملية قمع للاحتجاجات المؤيّدة للديموقراطية في العام 2011.
ولم تتمكّن محكمة العدل الدولية من التعامل مع النظام السوري، لأنّها لم تصادق على نظام روما الأساسي، أي المعاهدة التأسيسية للمحكمة.
وكانت روسيا والصين قد منعتا مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي يقضي بإحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية في العام 2014.
وأدّت عودة رئيس النظام بشار الأسد إلى الساحة الدولية في مايو/ أيار الماضي، مع حضوره قمة للجامعة العربية للمرة الأولى منذ أكثر من عقد، إلى إعادة القضية إلى الواجهة.
وكان وزير الخارجية الفرنسي قال في مايو، إنه يجب محاكمة الأسد بعد "مئات الآلاف من القتلى... واستخدام الأسلحة الكيميائية" خلال الحرب في سوريا.