وصفت روسيا الجمعة الاحتجاجات الحاشدة التي شهدتها جورجيا هذا الأسبوع وأجبرت الحكومة على التخلّي عن مشروع قانون حول تصنيف المنظمات غير الحكومية "عملاء أجانب" واعتُبر منسوخاً عن قانون روسي، بأنّها "محاولة" انقلاب غربية.
بعد تظاهرات ضخمة شهدتها هذه الدولة القوقازية الصغيرة المجاورة لروسيا في الأيام الأخيرة، رفض البرلمان الجورجي الجمعة مشروع القانون، وفقاً لما كانت قد أعلنته الحكومة في اليوم السابق.
أشاد الرئيس الجورجي السابق ميخائيل ساكاشفيلي المسجون منذ نهاية العام 2021، بـ"المقاومة الرائعة" للمتظاهرين في مواجهة "القوة الوحشية التي استخدمت ضدهم".
كذلك انتقد رئيس الوزراء السابق بيدزينا إيفانيشفيلي، وهو ملياردير جمع ثروته في روسيا قبل تشكيل حزب الحلم الجورجي الحاكم الذي اقترح مشروع القانون المثير للجدل.
وتعكس هذه الاحتجاجات الأزمة السياسية التي تشهدها جورجيا منذ سنوات، فيخشى جزء من سكان هذه الدولة المرشّحة لعضوية الاتحاد الأوروبي من انجرافها إلى الاستبداد وفق النموذج الروسي.
ويشبه المحتجون مشروع القانون الذي تمّ التخلي عنه بنص يُطبّق في روسيا على "العملاء الأجانب" ويُستخدم لإسكات المنظمات غير الحكومة ووسائل الإعلام المعارضة للكرملين.
لكن الرئاسة الروسية اعتبرت أنّ مشروع القانون الجورجي الذي تسبّب باندلاع احتجاجات لم يكن إلّا ذريعة، مشيرة إلى أنّها رأت "يد" الولايات المتحدة وراء "المشاعر المعادية لروسيا" لدى المتظاهرين الجورجيين.
بدوره، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إنّ التظاهرات كانت "مدبّرة من الخارج"، مشبّهاً إياها بالثورة في أوكرانيا في العام 2014، التي تعتبرها موسكو محاولة انقلاب دبّرها الغرب.
وأكّد أنّ الهدف هو "تغيير النظام بالقوة"، من دون مزيد من التوضيح.
وكان مشروع القانون الذي رُفض الجمعة في البرلمان ينصّ على أنّ المنظّمات غير الحكومية ووسائل الإعلام التي تتلقّى أكثر من 20 في المئة من تمويلها من الخارج ملزمة بالتسجيل على أنّها "عملاء أجانب" تحت طائلة الغرامة.
- "انتصار"
وبعد رفض مشروع القانون في البرلمان، احتشد نحو 300 متظاهر سلميا رافعين الأعلام الجورجية، أمام مبنى البرلمان وسط حضور خفيف للشرطة، حسبما أفاد مراسل لوكالة فرانس برس.
إيرينا شورغايا الطالبة البالغة من العمر 21 عاماً، قالت وسط متظاهرين يرفعون لافتات كتب عليها "نحن أوروبا" من أمام البرلمان، "هذا انتصار، لقد فزنا لأننا كنّا متّحدين".
وأضافت لوكالة فرانس برس "لقد رأى العالم كلّه أنّ الجورجيين متّحدون ومصمّمون على أن يصبحوا أعضاء في العائلة الأوروبية".
وفي تصريح أدلت به من نيويورك الخميس، أشادت الرئيسة سالومي زورابيشفيلي المؤيدة للغرب والتي تنتقد الحكومة غير أنّ صلاحياتها محدودة، بالإعلان عن سحب مشروع القانون معتبرة أنه "انتصار".
ولم يغب ذلك عن المتحدث باسم الكرملين دمتري بيسكوف، الذي أكد الجمعة أنّ زورابيشفيلي "تتحدث إلى شعبها ليس من جورجيا، بل من أميركا".
واعتبر أنّ ذلك إشارة إلى أنّ "يداً مرئية" تعمل على "إثارة شعور معادٍ لروسيا"، في اتهام يستهدف واشنطن بشكل واضح.
في المقابل، ندّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة بـ"الضغوط الشديدة" التي تتعرض لها جورجيا، ودعا إلى "التهدئة".
ورحّبت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الخميس بالإعلان عن سحب مشروع القانون المثير للجدل.
لكن بعد هذا الإعلان، تجمّع عشرات الآلاف من الأشخاص مساء الخميس في العاصمة تبيليسي لليوم الثالث على التوالي، لانعدام الثقة في الحكومة.
وكانت الاحتجاجات التي جرت في اليومين السابقَين، قد شهدت مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين، تخللها اعتقال العشرات.
تطمح جورجيا إلى الانضمام رسمياً إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
لكن عدداً من الخطوات التي اتخذتها الحكومة الحالية، مثل مشروع القانون حول "العملاء الأجانب"، أثار شكوكا حول استمرارها في الخط المؤيد للغرب، في وقت تتهمها المعارضة بأنها تؤيد موسكو.