يتجاوز عدد الفرنسيين من أصول تركية الـ 600 ألف نسمة، ومنهم حوالي 200 شخصية ذات نشاط سياسي على الصعيد المحلي، ويسعى هؤلاء إلى أن يصبحوا مكونا أساسيا في الحياة السياسية هناك على خطى جاليات أخرى ممثلة محليا.
هم أنصار سابقون للاشتراكي فرانسوا أولاند خلال انتخابات الرئاسة عام 2012، في المواجهة مع اليميني، نيكولا ساركوزي.
دعمهم لأولاند كان بمثابة العقاب لساركوزي (الذي ترأس البلاد من 2007- 2012) الذي جرّم عدم الاعتراف بأحداث عام 1915 في منطقة الأناضول التركية أواخر العهد العثماني، كـ"إبادة جماعية"، كما عاق بشكل جزئي مسيرة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
لكن اليوم، لم يتمكن الكثير من الفرنسيين من أصول تركية، حتى الآن، من حسم أمرهم بشأن المرشح الذي سيدعمونه من بين المتنافسين على دخول قصر الإليزيه الرئاسي، في الانتخابات التي ستجرى جولتها الأولى يوم 23 أبريل/ نيسان المقبل، والثانية في 7 مايو/ أيار من العام نفسه.
أتراك فرنسا، الذين ساند العديد منهم رئيس الوزراء الأسبق، آلان جوبيه، في الانتخابات التمهيدية لليمين، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، يجدون أنفسهم أمام خيارات متعدّدة. فإما مرشح اليمين فرانسوا فيون، أو وزير الاقتصاد السابق إيمانويل ماكرون، أو اليمينية المتطرفة مارين لوبان، أو مرشح اليسار المنتظر أن تفرزه الانتخابات التمهيدية لهذا التيار بعد أقل من أسبوعين.
بحسب شهادات عدد من أتراك فرنسا، في أحاديث منفصلة للأناضول، لا يحظى حاليا أيّ مرشّح بدعم عفوي منهم، خلافا للمساندة التي أبدوها قبل خمس سنوات لأولاند (الذي أعلن عدم اعتزامه خوض انتخابات 2017)، عقب ولاية ساركوزي المشحونة بالتوتر على مستوى العلاقات بين فرنسا وتركيا.
* اليمين واليسار سواء:
مع أن معظم الفرنسيين من أصول تركية أعربوا عن رغبتهم في الإدلاء بأصواتهم في الاقتراع المصيري القادم، إلا أنهم يعترفون أنه لا يوجد حتى الآن مرشح قادر على تلبية تطلّعاتهم.
فيليز، وهي فرنسية تركية (33 عاما)، قالت للأناضول إنه "لا يوجد أي فرق بين اليمين واليسار". ومستنكرة تيار "معاداة الإسلام" (الإسلاموفوبيا) الذي يظهره السياسيون الفرنسيون، سواء من اليسار أو من اليمين، اعتبرت الشابة العاطلة من العمل أن "التيارين السياسيين، الذين صعدا تباعا إلى الحكم بين 2002 و2017، أنتجا حصيلتين متشابهتين". وعقابا للتيارين على سياساتهما، كشفت فيليز أنها تعتزم "تقديم ورقة الاقتراع بيضاء في انتخابات الرئاسة القادمة". وهو ما أرجعته إلى أن التيارين "لم يفيا بوعودهما الانتخابية سواء بشأن السياسة الدولية أو الدفاع عن حقوق المواطنين الفرنسيين".
* توفير فرص عمل:
فاتح، وهو طالب جامعي في الـعشرين من عمره، انتقد من جهته عدم وجود مرشح للرئاسة قادر على تلبية مطالب الشباب الفرنسي- التركي، لا سيما في ما يتعلق بتوفير فرص العمل والإدماج المهني. وتابع فاتح أن "السياسيين لا يأخذون اهتمامات وتطلعات الناس بعين الاعتبار، فهم يدفعونهم نحو أوضاع رهيبة، تماما كما حدث مع مشروع قانون العمل".
وكان قانون العمل الجديد الذي تبنّته الحكومة الفرنسية دون موافقة البرلمان، في يوليو/ تموز الماضي، قد أثار جدلا واسعا في فرنسا؛ جراء ما تضمّنه من بنود لاقت استنكارا من قبل طيف واسع من الطبقة السياسية والرأي العام الفرنسيين.
* مستقبل جيد:
أما هوليا (29 عاما)، وهي تعمل نائبة مسؤول عن محل تجاري، فقالت إنها أدلت بصوتها في الانتخابات التمهيدية لليمين واليسار، إلا أنها لم تحسم أمرها حتى الآن بشأن مرشح الرئاسية المقبلة. وبالنسبة إليها، يتعين على المرشح المثالي أن "يؤمّن مستقبلا جيدا للجيل الجديد"، وأن "يجعل من فرنسا بلدا يطيب فيه العيش للجميع". كما هوليا أعربت عن أسفها لـ"تردد أتراك فرنسا حتى الآن في الإعلان بوضوح وبصوت عال، عما ينتظرونه من السياسيين الفرنسيين". ووفق الشابة الفرنسية ذات الأصول التركية فإن "الفرنسيين من أصول تركية يفضلون عادة العيش معا. لكن، في أيامنا هذه، هناك منظمات اجتماعية ثقافية تمكنهم من الإندماج والظهور، ولذلك فإن الجيل الجديد سيكون أكثر نشاطا في المجتمع الفرنسي".
* مناهضة العنصرية:
بحسب سيلين (21 عاما)، وهي أيضاً طالبة جامعية، فإن الفرنسيين من أصول تركية "لا يهتمون بتاتا بالانتخابات الرئاسية، وحتى بالسياسة الفرنسية". سيلين قالت إنها أدلت بصوتها في الانتخابات التمهيدية، وتتابع "بانتظام" حملات اليمين واليسار، غير أنها تميل إلى التيار الأخير، خصوصا لأحد مرشحيه في الاقتراع التمهيدي، وهو وزير الاقتصاد السابق إيمانويل ماكرون. وفسرت موقفها أن رؤية اليسار "تتلاءم معي بشكل أكبر".
خلافا لسيلين، قررت إسراء (22 عاما) مقاطعة مكاتب الاقتراع، مبرّرة موقفها أنه "لا أحد من المرشحين يتبنى مقاربة مناهضة للعنصرية تجاه المسلمين، وخصوصا حيال الأتراك"، مضيفة أن "هذا هو السبب وراء عدم الإدلاء بصوتي حتى في انتخابات عام 2012".
* جسر بين فرنسا وتركيا:
الفرنسي من أصول تركية، يتين يافوز، وهو مستشار في إقليم "فال دو مارن" شمالي فرنسا، رحب برؤيته تعبئة كبيرة للفرنسيين من أصول تركية خلال الانتخابات التمهيدية لليمين. وقال إن "أتراك فرنسا قاموا باستثمار كبير في الاقتراع التمهيدي، وقد ظهروا بشكل واضح من أجل إعادة بناء فرنسا". ومثل غيره من أتراك فرنسا، قدر يافوز أن "الجيل الجديد من الفرنسيين ذوي الأصول التركية سيتوجّه بشكل أكبر نحو صناديق الاقتراع (في الانتخابات الرئاسية المقبلة).. فالشباب الفرنسي- التركي يشكل جسرا بين تركيا وفرنسا، ما سيتيح تفكيرا أوسع على المستوى الثقافي والاقتصادي والدبلوماسي بين البلدين". وختم يافوز بالإشارة إلى أن العديد من الملتقيات عقدت، في الأشهر الأخيرة، خصوصا في الجمعيات الاجتماعية والثقافية الفرنسية- التركية، بهدف دفع أتراك فرنسا، لا سيما الشباب منهم، إلى المشاركة في الاقتراع، معربا عن أمله في "أن تكون مشاركة أتراك فرنسا في الانتخابات الرئاسية المقبلة أكبر مما كانت عليه في الاقتراع التمهيدي لليمين".
ووفق إحصائيات القنصلية التركية في فرنسا لعام 2013، يوجد نحو 611 ألف فرنسي من أصول تركية معظمهم أحفاد عمال أتراك استقروا في فرنسا في ستينيات القرن الماضي، إثر توقيع البلدين اتفاقية ثنائية لتنظيم وصولهم إلى الأراضي الفرنسية.