دور المنتدى الاقتصادي التركي البولندي الـ32 في تعزيز العلاقات بين البلدين
- ديلي صباح, اسطنبول
- Sep 04, 2023
لا يمكن التشكيك في أهمية الشراكات الاقتصادية بين الدول، في عالم اليوم الذي تحكمه العولمة. ومن بين عدد لا يحصى من العلاقات الدولية، تبرز العلاقات الاقتصادية الوثيقة والمزدهرة بين بولندا وتركيا كدليلٍ على قوة التعاون والمنفعة المتبادلة. وتجمع هاتان الدولتان البعيدتان جغرافياً، رابطة قوية واضحة، تؤكدها مصالحهما الاقتصادية المتشابكة.
وتكشف الخلفية التاريخية لبولندا وتركيا عن أوجه تشابه مدهشة، ما يساهم في عمق العلاقة بينهما. فقد تغلب كلا البلدين على التحديات وبرزا كاقتصادين ديناميكيين، حيث انتقلا من الأنظمة المخططة مركزياً إلى الأنظمة الموجهة نحو السوق. وقد عززت هذه الرحلة المشتركة الشعور بالعلاقة بينهما، حيث شهدت كل من بولندا وتركيا تحولاتٍ سياسيةً واحتضنت القيم الديمقراطية.
وتعتبر العلاقات الاقتصادية بمثابة حجر الزاوية في الشراكة البولندية التركية. وعلى مر السنين، ازدهرت التجارة الثنائية، وهو مؤشر واضح على عمق التعاون الاقتصادي بينهما. كما أظهر المستهلكون الأتراك انجذاباً قوياً للمنتجات البولندية، بدءاً من الآلات إلى السلع الكيميائية. وفي الوقت نفسه، أصبحت بولندا سوقاً مهماً للمنسوجات والفواكه والخضروات التركية. ويرسم هذا الاعتماد المتبادل صورةً حيةً للطبيعة التكاملية لاقتصاديهما.
وتشمل الصادرات التركية الرئيسية إلى بولندا السيارات ومكونات تجميعها وقطع غيار مركبات الطرق والجرارات وقضبان الألمنيوم والمنسوجات والملابس والفواكه والخضروات الطازجة والأدوات المنزلية. وفي المقابل، تصدر بولندا لتركيا: الآلات والأجهزة والأدوات الميكانيكية وسيارات النقل البري والأجهزة الكهربائية والحديد والصلب والمواد الكيميائية ومستحضرات التجميل والأثاث.
وتم تحديد حجم التجارة الثنائية المستهدف بين البلدين عند 10 مليارات دولار. لكن حجم التجارة الثنائية شهد عام 2021، زيادةً مذهلة بنسبة 28% ليصل إلى 8.3 مليار دولار. وفي الأشهر العشرة الأولى من عام 2022، بلغ حجم التجارة 8.1 مليار دولار.
ويدرك كلا البلدين إمكانية النمو من خلال الاستثمارات الاستراتيجية. وقد اجتذب موقع بولندا الاستراتيجي كبوابة إلى أوروبا، الشركات التركية الحريصة على تأسيس موطئ قدم لها في السوق الأوروبية. بالمقابل، فإن براعة تركيا في البناء والمنسوجات وقطاع السيارات تتماشى مع المشهد الصناعي سريع النمو في بولندا.
أما الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فقد بلغت استثمارات بولندا في تركيا 37 مليون دولار حتى سبتمبر/أيلول 2022، في حين بلغت الاستثمارات التركية في بولندا 113 مليون دولار. ومن الجدير بالذكر أن 156 شركة بولندية تعمل بنشاط في تركيا.
التبادل الثقافي والسياحة
وبعيداً عن المكاسب الاقتصادية، فإن بولندا وتركيا يوحدهما نسيج ثقافي غني يعمل على تعزيز العلاقات بين الشعبين. وقد ازدهرت السياحة بين البلدين من خلال تدفق الزوار من كلا البلدين باتجاه بعضهما، لاستكشاف الكنوز التاريخية والعجائب المعمارية التي تزخر بها كلاً من بولندا وتركيا. ولا يؤدي هذا التفاعل إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية الثنائية فحسب، بل يغذي أيضاً بيئةً من التفاهم والتعاطف بين الثقافات.
كذلك تعدُّ تركيا أحد الشركاء الاقتصاديين المهمين لبولندا، إذ يمثّل حجم التجارة بين البلدين عنصراً أساسياً في العلاقات الدائمة، وقد تضاعف حجم التجارة البولندية التركية بين عامي 2002 و2011، أكثر من 6 مرات. وفي الفترة بين عامي 2013-2016، بلغ متوسط حجم التجارة بين البلدين 5% سنوياً، وبلغ على سبيل المثال عام 2015، أكثر من 6 مليارات دولار.
وفي 12 سبتمبر/أيلول 2022 انعقد في أنقرة الاجتماع الخامس لآلية التشاور الاقتصادي المنتظم بين تركيا وبولندا، بقيادة وزير التجارة التركي ووزير التنمية الاقتصادية والتكنولوجيا البولندي. وبالتزامن مع هذا اللقاء، نظم مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية جلسة مناقشة بمشاركة رجال أعمالٍ من كلا البلدين.
وكان من أحد التطورات الهامة التي تعزز العلاقات الاقتصادية، تنفيذ قانون يسمح للمواطنين البولنديين بالسفر إلى تركيا باستخدام بطاقة هوية فقط، والذي أصبح سارياً في 19 أبريل/نيسان 2022. وبحلول أكتوبر/تشرين الأول 2022، زار ما يقرب من 1.1 مليون سائح بولندي تركيا، ما يؤكد حيوية العلاقات السياحية بين البلدين.
وخلال المنتدى الاقتصادي الثاني والثلاثين برز النسيج المتشابك للعلاقات الاقتصادية بين تركيا وبولندا كعنصر أساسي. وعلى مدى أكثر من 3 عقود، ظل المنتدى الاقتصادي بمثابة قناة للتبادلات الهادفة بين الشخصيات السياسية والاقتصادية، ما أدى إلى إنشاء منصة لصياغة الأفكار والشراكات.
وتطورت العلاقات بين البلدين، لتصبح قوة مؤثرة تدفع الحوار في هذا المنتدى، حيث تشترك هاتان الدولتان بتاريخ من التجارة الثنائية والاستثمار والتعاون الذي لم يستمر فحسب، بل ازدهر أيضاً. وتتجلى أهمية هذه العلاقة في عمق التعاون بين مختلف القطاعات.
لقد وفر المنتدى الاقتصادي باستمرار بيئةً فريدةً مواتية للتعاون بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والدول المجاورة. ومع مرور كل عام، يصبح الأمر بمثابة منصة لإصدار تصريحات مؤثرة يتردد صداها عالمياً وتؤثر على اتجاه السياسات والشراكات الاقتصادية.
ويأتي المنتدى الاقتصادي الثاني والثلاثون في وقتٍ يشهد تغيرات محورية في المشهد الاقتصادي الأوروبي. فهو يوفر بيئة مثالية لتركيا وبولندا لإعادة تأكيد التزامهما بتعزيز الروابط الاقتصادية. ومن خلال الانخراط في المناقشات التي تتجاوز الحدود، يمكن لكلا البلدين الاستفادة من الفرص التي تتيحها الديناميكيات المتغيرة.
وفي الختام، فإن العلاقات الاقتصادية بين بولندا وتركيا تجسد إمكانية التعاون بين الدول بغض النظر عن البعد الجغرافي. كما أن التزام كلا الدولتين المتبادل بالنمو الاقتصادي والتبادل الثقافي والتعاون الدبلوماسي يعطي مثالاً ملهماً للمجتمع العالمي.
وبينما تواصل بولندا وتركيا تعزيز علاقاتهما الاقتصادية، فإنهما تضعان معياراً للتعاون الدولي يؤكد على الدور الأساسي للشراكات الاقتصادية في تعزيز عالم متناغم ومترابط. وبالنظر لنتائج منتدى هذا العام، يمكننا أن نطمئن إلى أن أهمية العلاقات الاقتصادية بين تركيا وبولندا سوف تلعب دوراً حاسماً في تشكيل "القيم الجديدة للقارة القديمة".
بقلم: RYSZARD CZARNECKI