تمر تركيا بمنعطف حرج، مع قدر كبير من التكهنات المتعلقة بمستقبل اقتصادها بعد جولة الإعادة الرئاسية اليوم الأحد. والسؤال الكبير الذي يدور في أذهان الجميع هو: هل ستبقى تركيا ثابتة في التزامها بالسياسات الاقتصادية الحالية التي تتمحور حول أسعار الفائدة المنخفضة لدعم النمو؟
يبدو أن الإجابة المؤكدة هي "نعم"، وفقاً لما قاله الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي حكم تركيا على مدى 20 عاماً ويُتوقع أن يمددها إلى عقد ثالث بعد فشله في حسم الفوز في الجولة الأولى من الاقتراع يوم 14 مايو/أيار.
أما منافسه كمال كليتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي في تركيا والمرشح عن تحالف الأمة المكون من ستة أحزاب، فيتعهد العكس بعد أن بنى حملته على وعدٍ بالتراجع عن السياسات النقدية الحالية.
معركة تركيا الأولى هي ضد التضخم المرتفع الذي قوض القوة الشرائية لمواطنيها، ثم الانخفاض الحاد في قيمة الليرة التركية. ورداً على ذلك، تبنت الحكومة استراتيجية تقوم على خفض تكاليف الاقتراض لمكافحة ارتفاع الأسعار وتحفيز النمو الاقتصادي.
كما تعمل البلاد أيضاً على الخروج من آثار الزلازل المدمرة التي اجتاحت المنطقة الجنوبية الشرقية في أوائل فبراير/شباط.
والأساس المنطقي وراء البرنامج الاقتصادي للحكومة هو تحفيز الطلب المحلي وتعزيز الاستثمار وبالتالي دفع النمو الاقتصادي. وبالإضافة إلى ذلك، تصر الحكومة الحالية على أن البرنامج الذي كشف عنه عام 2021، يمكن أن يساعد في قلب عجز الحساب الجاري المزمن للبلاد إلى فائض.
ويجادل مؤيدو هذا النهج بأن أسعار الفائدة المنخفضة يمكن أن تحفز النشاط الاقتصادي من خلال تشجيع الاقتراض للاستثمار والاستهلاك، ما يؤدي إلى زيادة النمو وخلق فرص العمل.
كذلك يؤكدون أن أدوات السياسة النقدية التقليدية مثل رفع أسعار الفائدة، قد فشلت في مواجهة التحديات الاقتصادية الفريدة التي تواجهها تركيا.
وتماشياً مع هذا النهج، قام البنك المركزي التركي بتخفيض أسعار الفائدة بشكل كبير لتخفيف تكاليف الاقتراض للشركات والأفراد وتشجيع الإنفاق. وتم تخفيض معدل السياسة المعروف باسم معدل إعادة الشراء من 19% منتصف عام 2021 إلى 9% بحلول أوائل عام 2023.
وخفضت السلطة النقدية في آخر مرة سعر الفائدة القياسي بمقدار 50 نقطة أساس أخرى لتوفير الحوافز بعد الزلزال الكارثي الذي وقع في 6 فبراير/شباط وأودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص وتسبب في دمار واسع النطاق في 11 ولاية. واعتبر الخفض "المحسوب" على أنه "كافٍ" لدعم الانتعاش.
ووعد أردوغان بإنفاق كل ما هو ضروري لإعادة إعمار المناطق المنكوبة بالزلزال. ومع كل احتفال وضع حجر أساس، يؤكد أن حكومته هي وحدها القادرة على إعادة البناء بعد الكارثة.
بالإضافة إلى هذه الجهود، قام الرئيس بزيادة أجور القطاع العام ورفع المعاشات التقاعدية وسمح بالتقاعد المبكر للملايين وقدم إعانات للكهرباء والغاز وألغى بعض ديون الأسر.
وأبقى البنك المركزي يوم الخميس على سعر الفائدة عند 8.5% للشهر الثالث على التوالي. وجاء في بيانه الذي أعقب القرار: "لقد أصبح من الأهمية بمكان الحفاظ على الظروف المالية الداعمة، للحفاظ على زخم النمو في الإنتاج الصناعي والتوجه الإيجابي في التوظيف" مشيراً إلى أن الاتجاه الأساسي للتضخم مستمر في التحسن.
وتقول الحكومة إن اتجاه النزول للتضخم السنوي، الذي كان معتدلاً خلال الأشهر الستة الماضية، سيستمر بعد أن وصل إلى ذروة 24 عاماً في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وتراجع مؤشر أسعار المستهلك إلى 43.68% سنوياً في أبريل/نيسان إلى النصف تقريباً بعد أن بلغ 85.51% في أكتوبر/تشرين الأول.
وأكد أردوغان في العديد من المناسبات أن أسعار الفائدة ستنخفض طالما بقي في السلطة، وشدد على أنه يضمن السيطرة على التضخم.
وفي مقابلة مع شبكة سي إن إن الدولية قبل أسبوع قال الرئيس: "سينخفض التضخم إلى جانب أسعار الفائدة في أعقاب الانتخابات".
ولدى سؤاله عما إذا كان ذلك يعني أنه لن يكون هناك تغيير في السياسة الاقتصادية، أجاب: "نعم بالتأكيد".
وقد احتفظ تحالف الشعب بقيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم، بالأغلبية في البرلمان في الانتخابات التشريعية قبل أسبوعين، ما زاد من فرص إعادة انتخابه أردوغان.
ويعبر النقاد عن مخاوفهم من العواقب المحتملة للسياسة الحالية، من تسارع الضغوط التضخمية مع ارتفاع حرارة الاقتصاد، ما قد يؤدي إلى تآكل المكاسب التي تحققت من انخفاض أسعار الفائدة.
كما انخفضت قيمة العملة بنحو 44% مقابل الدولار عام 2021 وانخفضت 30% عام 2022. وانخفضت بنسبة 6.4% هذا العام.
وأدخلت الحكومة لوائح وأدوات متعددة لتثبيط حيازات العملة الصعبة.
ويصر أردوغان على أن تكاليف الاقتراض المرتفعة تسبب تضخماً مرتفعاً، رافضاً التفكير الاقتصادي الذي يشير إلى أن رفع أسعار الفائدة يساعد في كبح زيادات الأسعار.
وقال الأسبوع الماضي: "أطروحتي تفيد بأن أسعار الفائدة والتضخم مرتبطان بشكل مباشر. لذا فكلما انخفضت أسعار الفائدة، انخفض التضخم. وفي هذا البلد، سينخفض معدل التضخم مع أسعار الفائدة حتى نصل إلى نقطة يشعر فيها الناس بالارتياح ... وهذا ليس وهماً".
فيما تعهد كليتشدار أوغلو بعكس البرنامج الحالي، ووعد بالعودة إلى سياسة اقتصادية أكثر تقليدية مع زيادات كبيرة في أسعار الفائدة.
من جانبه صرح أنور إركان وهو خبير اقتصادي أنه في حالة فوز أردوغان، سيكون التركيز على العوامل التي يمكن أن تمارس ضغطاً على سعر الصرف والاحتياطيات الدولية والتضخم، وربما تفرض تغييراً في سياسات البنك المركزي.
وشكك إركان في الاستدامة طويلة الأجل لأسعار الفائدة المنخفضة، أن تكون قادرة على السيطرة على التضخم وسعر الصرف.
وأشار إلى أن "أردوغان أعرب عن نيته الحفاظ على أسعار فائدة منخفضة ويعتقد أن التضخم سيتباطأ نتيجة لذلك. لكن هذا النهج الذي يهدف إلى دعم النمو الاقتصادي، قد يثير مخاوف بشأن استدامة مثل هذه السياسة على المدى الطويل، حيث قد لا يكون من الممكن السيطرة على التضخم وأسعار الصرف مع أسعار الفائدة المنخفضة وحدها".
من ناحية أخرى، قال إركان إن نهج كليتشدار أوغلو قد ينعش الأوضاع الاقتصادية ويؤدي إلى احتواء التضخم. لكنه في الوقت نفسه، قد يؤدي أيضاً إلى محدودية الطلب وفقدان الزخم الاقتصادي على المدى القصير.
وتعتمد استدامة مسار السياسة الحالي على عوامل مختلفة، منها البيئة العالمية وأسعار السلع والظروف الاقتصادية المحلية.
وسيتطلب المسار الذي ينتظر تركيا بعد التصويت توازناً دقيقاً بين معالجة الضغوط التضخمية والحفاظ على النمو الاقتصادي والاستقرار.
وقال إركان إن نتيجة الانتخابات والسياسات الاقتصادية اللاحقة ستؤثر بشكل كبير على سعر الصرف والاحتياطيات والتضخم.
كما أشار إلى أنه "مع ذلك، من الصعب التنبؤ بالتوزيع الدقيق لهذه السياسات وتقييمها بالنظر إلى مفترق الطرق المهم في البلاد".
وختم بالقول: "كلا الخيارين السياسيين لهما تداعياتهما وتحدياتهما".