تثمن تركيا دور الحوار مع الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي عالياً، وتقوم أنقرة من دون كلل أو ملل بنقل الحقيقة إلى محاوريها الأوروبيين لتحذيرهم من تصديق الدعاية المخادعة التي تطلقها "الجماعات الإرهابية"، بالرغم من استمرار كلاً منهما بالتنصل من الوعود الكثيرة التي قطعوها لتركيا، إلى جانب انتقاداتهم "غير المبررة" والمجحفة بحقها. ولأن تركيا تحترم قيم الاتحاد الأوروبي، فهي ثابتة في تصميمها على أن تصبح عضوة فيه.
في الحقيقة، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يشكر تركيا بدلاً من انتقادها. فهي الدولة التي واجهت تنظيم داعش الإرهابي الذي هدد الاتحاد الأوروبي، وهي الدولة الوحيدة التي تحارب الإرهابيين.
وبالمثل، فإن الفضل في عدم وصول ملايين اللاجئين السوريين إلى الاتحاد الأوروبي يعود لتركيا أيضاً. مع ذلك لم يقدم الاتحاد الأوروبي حتى المساعدات النقدية التي وعد تركيا بها وهي التي تستضيف أكثر من 3.5 مليون سوري.
وقد قال الرئيس رجب طيب أردوغان مبرراً: "دعونا نشكل منطقة آمنة حتى يتمكن اللاجئون من العودة الطوعية إليها"، وقال للدول التي لا تدعم تلك المنطقة: "بما أنكم لا تدعمون المنطقة الآمنة، فلم يعد بإمكاننا استقبال اللاجئين، وسنسمح لهم بالرحيل، لذلك سيتوجهون إليكم، وستضطرون للعناية بهم". ورداً على ذلك، ادعى بعض السياسيين الأوروبيين كذباً وبدون خجل أنهم هُدّدوا، قائلين: "الرئيس التركي يهددنا". في الواقع، لا أحد يهددهم، إنما تحدث الرئيس ببساطة عن الحقيقة.
لا يرغب الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي بسماع "الحقيقة" عندما يتعلق الأمر بتركيا. لأنهما يجيدان حقاً لعب دور "القرود الثلاثة" التي لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم عندما يقال إن "ي ب ك/بي كا كا هما وجهان لعملة واحدة وتتم قيادتهما من مركز واحد". كما أن المدعو "مظلوم كوباني" الذي يقود تنظيم "ي ب ك" الدموي، كان زعيماً للتنظيم الإرهابي "بي كا كا" لفترة طويلة.
ويواصل الاتحاد الأوروبي وبرلمانه التجاهل والتغافل ولعب دور "القرود الثلاثة" عندما يقال إن "ي ب ك لا تقاتل ضد داعش. بل هم يقاتلون العرب السوريين والأكراد والتركمان".
كما يتغافل الاتحاد الأوروبي وبرلمانه ويتصرف بتجاهل تام، عندما يقال إن "مناطق الطاقة حول جزيرة قبرص في شرق البحر المتوسط ليست ملكية حصرية للقبارصة الروم. بل الاتحاد الأوروبي هو من اتخذ قراراً ظالماً وجائراً اتجاه القبارصة الأتراك، من خلال ضم القبارصة الروم فقط لعضويته دون القبارصة الأتراك".
باختصار، عندما يتعلق الأمر بالحقيقة، فإن الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي يهتمان بالأكاذيب فقط، ولا يعيران الحقائق أي اهتمام. وخير مثال على ذلك ما شهدناه الأربعاء الماضي. حيث زار وزير الخارجية التركي، بالرغم من قصر الوقت، الرئيس الجديد للبرلمان الأوروبي "ديفيد ماريا ساسولي" في بروكسل على هامش المشاركة في قمة وزراء خارجية الناتو، وأجرى معه محادثة قصيرة. بعد "اجتماع المجاملة" القصير هذا، غادر وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو البرلمان الأوروبي قائلاً "عقدنا اجتماعاً مخلصاً وبنّاءا" وكان الاجتماع صادقاً وودوداً حقاً.
لكن رئيس البرلمان الجديد "ساسولي" أدلى بتعليقات مسيئة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتجاهل الحقائق بل حتى بروتوكولات المجاملة الدبلوماسية الأساسية. وأنا هنا كعضو سابق في البرلمان الأوروبي، أشعر بالخجل من هذه المؤسسة.
فقد نشر رئيس البرلمان الأوروبي أربعة تعليقات مختلفة على تويتر، استعرض من خلالها كل ما لم يتم التحدث به في ذلك الاجتماع! لكنه فعل ذلك كي "يتلقى التصفيق من الجماعات المناهضة لتركيا داخل البرلمان الأوروبي"، كما لو أنه تحدث بهذه المواضيع فعلاً.
كانت فرصة إجراء حوار بناء ومخلص متاحة فعلاً، لكن رئيس البرلمان الأوروبي دمرها بالفعل.
وأدلى وزير الخارجية تشاوش أوغلو بتصريح مُبرر، للإجابة على هذا "الوضع المشوه"، قائلاً: "هذا مثال آخر على خداع الاتحاد الأوروبي ونفاقه. لقد شارك رئيس البرلمان الأوروبي موضوعات لم تطرح معي ولم أسمعها وجهاً لوجه. لقد شوّه الشخص الذي يمثل الشعوب الأوروبية محتوى الاجتماع". رئيس خارجية تركيا على حق! فموقف البرلمان الأوروبي المخادع والمنافق هذا، يسبب في الواقع الكثير من الضرر للعلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي.
لقد تكرر هذا المشهد من قبل. فقد قام ثلاثة من الأسماء المعروفة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بـ "الكذب" أمام الصحفيين من خلال "ذكر أمور ومواضيع لم يتفوهوا بها بل قاموا بتأكيدها كما لو أنهم قالوها بالفعل" على الرغم من أنهم لم ينبسوا بأية كلمة سلبية أثناء التحدث مع الرئيس أردوغان. مع انعدام أي سبب يجعلهم جبناء أثناء اجتماعهم به، لأن حقهم في التعبير عن انتقاداتهم طبيعي ومكفول. لكنهم على العكس، قالوا أشياء جيدة وغادروا. بعد ذلك، حاولوا أن يخدعوا ناخبيهم بقول الأكاذيب أمام الصحفيين.
لقد سئم الرأي العام التركي من هذا النفاق. ومواقف النفاق والخداع هذه إنما تعود بالضرر والأذى على صورة الاتحاد الأوروبي أكثر من غيره.
على سبيل المثال، شوه رئيس البرلمان الأوروبي صورة البرلمان في تركيا عقب اجتماعه بتشاوش أوغلو الأربعاء الماضي، ولسوء الحظ، لم يقدم بتغريداته أية فائدة لصورة البرلمان الأوروبي في نظر الرأي العام التركي، بل تسبب بإحداث ضرر كبير لسمعة البرلمان.
يبدو أن أولئك الذين أرغموا رئيس البرلمان الأوروبي على الإدلاء بهذه التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، لا يرغبون حقاً في إجراء حوار مخلص وبناء مع تركيا.