كان عام 2022 بالنسبة لتركيا عاماً طويلاً ومكتظاً بالأحداث من حيث السياسة الخارجية. وحدثت تطورات عديدة على صعيد العلاقات الثنائية لا سيما الخطوات المتخذة في نطاق التطبيع، فقد انخرطت تركيا في علاقات إيجابية مع العديد من البلدان وركزت على معالجة الخلافات التي ظهرت خلال الفترة المضطربة الأخيرة في المنطقة. وكان التغيير الأحدث والأهم في العلاقات مع سوريا.
فأي تقارب بين أنقرة ودمشق سيعيد تشكيل الصراع السوري المستمر منذ ثماني سنوات؟
مع اندلاع الحرب في سوريا عارضت أنقرة وحشية النظام السوري وفتحت حدودها للاجئين الباحثين عن بقعة آمنة، وقد فر ملايين المواطنين السوريين وأكثرهم من الأطفال والنساء وكبار السن من الصراع الدامي إلى الأراضي التركية. وباتت البلاد تستضيف حالياً حوالي 4 ملايين سوري رغم أن الرقم الرسمي هو حوالي 3.7 مليون.
ومع اتساع حالة عدم الاستقرار في سوريا، سيطرت عوامل كثيرة على المشهد. وكانت هناك منظمات إرهابية في الميدان ولم تنجح المقاومة السورية في إخراج معارضة حقيقية يمكن أن تشكل بديلاً لنظام بشار الأسد، وتحول انعدام العلاقات بين أنقرة ودمشق لعقبة في المنطقة بالنسبة لكلا البلدين.
لذلك، فإن محاولة روسيا البدء في تفعيل اللقاءات خطوة هامة للغاية ليس لتركيا وسوريا فقط بل للشرق الأوسط بأكمله.
لقاء موسكو
أشار الرئيس رجب طيب أردوغان في شهر نوفمبر/تشرين الثاني إلى أنه يمكن تحسين العلاقات مع سوريا ويمكن اتباع مسار مماثل كما هو الحال في العلاقات مع مصر.
وبالتالي، لم يكن الأمر مفاجئاً أن يتوجه وزير الدفاع خلوصي أقار ورئيس جهاز المخابرات هاكان فيدان في 28 ديسمبر/كانون الأول 2022 إلى روسيا، حيث عقدا اجتماعات متعددة في العاصمة موسكو مع نظرائهما السوريين بحضور وزير الدفاع ورئيس المخابرات الروس ودار الحديث عن "الأزمة السورية وقضية اللاجئين والجهود المشتركة لمحاربة كل الجماعات الإرهابية في سوريا".
وقد وصفت وزارة الدفاع التركية الاجتماع في موسكو بأنه "بنّاء"، واتفقت الأطراف على مواصلة "شكل الاجتماعات الثلاثية لضمان الاستقرار في سوريا والمنطقة ككل".
كما قال وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو يوم الخميس إن المرحلة الثانية من اللقاءات ستكون بين وزراء الخارجية وأضاف أنه لا يوجد حتى الآن موعد واضح لمثل هذا الاجتماع وأن يناير/كانون الثاني يعتبر مبكراً للغاية.
ويعد الاجتماع الذي عقد في موسكو حاسماً أيضاً لأنه الأول من نوعه بين وزيري الدفاع التركي والسوري منذ بداية الثورة عام 2011. ويُظهر هذا الاجتماع والاجتماعات المستقبلية المحتملة تحولاً واضحاً في السياسة التركية من التمركز ضد نظام الأسد إلى التعامل معه. كما تقرر في اجتماع موسكو أيضاً أن تقوم تركيا وروسيا وسوريا بمهام مشتركة على الأرض في سوريا.
وأضاف أقار أنه من السابق لأوانه الحديث عن تفاصيل عملية محتملة، ومع ذلك، فإن العمليات التي يتم تنفيذها مع روسيا ضد الجماعات التي تعتبرها أنقرة إرهابية يمكن أن تتم في إطار ثلاثي في المستقبل القريب.
وبالرغم من أن هذا الاجتماع يمثل الخطوة الأولى بعد 12 عاماً من عدم الاتصال، إلا أنه يُظهر بداية حقبة جديدة بين تركيا وسوريا، وبإمكانه أن يغير الديناميكية بأكملها إذا أمكن الحفاظ على جو إيجابي. ويبقى السؤال الأصعب الذي ينتظر الإجابة عليه هو وضع اللاجئين السوريين في تركيا الذين يقترب عددهم من 4 ملايين والذين يستحقون حلاً مشتركاً وإنسانياً لقضيتهم.