يواصل السياسي الهولندي اليميني المتطرف "غيرت فيلدرز" إطلاق التصريحات الاستفزازية حول الإسلام. وكانت آخر تغريداته على تويتر حول هذا الموضوع "أوقفوا الإسلام.. أوقفوا رمضان" وقد قوبلت بالغضب والإستياء.
ومن الواضح أن هذه الرسالة تهدف إلى إيذاء المسلمين وتقسيم صفوفهم والحشد ضدهم واستفزازهم.
ورغم أني شخص علماني لكن رمضان يمثل في تركيا تقليداً دينياً مشتركاً على نطاق واسع يشمل حتى الذين يعتبرون علمانيين. فضلاً عن أن معظم سكان البلاد يصومون بنسبة تتراوح بين 60%- 70% منهم، فالصيام عبادة مشتركة ينتظرها الناس ويترقبونها بشدة كل عام.
لذلك، فالمنشورات التي تدعو إلى "وقف رمضان" لا تثير المسلمين الملتزمين فقط بل تستفز الأمة كلها لأن لرمضان معانٍ عميقةٍ في جميع المجتمعات الإسلامية.
ولهذا قام المسؤولون الأتراك يإدانة كلمات "فيلدرز" بشدة. ووصفه مدير الاتصالات الرئاسية فخر الدين ألطون بأنه "عنصري وفاشي ومتطرف" وحث الهيئات الدولية على وقف العنصرية.
كما قال المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم عمر جيليك إن "فيلدرز" بتصريحاته تلك إنما يهاجم الإنسانية، وهي نقطة أتفق معها تماماً.
وعبر جيليك بالقول: "إنهم أعداء للبشرية بعقل عنصري وفاشي. ولهذا يكمن العداء للإنسانية حيث يوجد عداء للإسلام".
وبكل أسف أن كلمات "فيلدرز" تناقض بشكل كبير مفاهيم أوروبا في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. فمن الناحية النظرية، من المفترض أن تكون أوروبا ما بعد الحرب مبنيةً على التعددية والديمقراطية الليبرالية.
وقد تمثلت هولندا موطن "فيلدرز" هذه المفاهيم بشكل جيد وهي التي كانت ذات يوم ساحة معركة قوية للنازيين، وتحولت بعد الحرب العالمية الثانية إلى دولة متعددة الثقافات تقبل على أرضها مجموعة واسعة من أنماط الحياة كما أصبحت موطناً للعديد من المهاجرين.
وبالتالي، فإنه من المؤسف حقاً أن نرى مثل هذه المواقف العنصرية تأتي من بلد صغير نجح في تحقيق الانسجام لفترة طويلة.
لكن من ناحية أخرى، لا زلت أتساءل عما إذا كانت أيديولوجية "فيلدرز" تنبع في الواقع من الماضي الاستعماري لهولندا. فقد عُرف الهولنديون في جنوب إفريقيا بأنهم قوة استعمارية وحشية زرعت بذور حقبة الفصل العنصري التي تم إضفاء الطابع المؤسسي عليها بعد الحرب العالمية الثانية.
ويتم في جنوب إفريقيا اليوم، إدانة حقبة الفصل العنصري من قبل الجميع باستثناء الحكام الهولنديين كما يُلقى اللوم على أحفادهم أكثر بكثير من المستعمرين البريطانيين.
ومع ذلك، ظلت هولندا ترحب بـ "الغرباء" حتى أثار هجوم 11 سبتمبر في الولايات المتحدة موقفاً جديداً مناهضاً للإسلام في البلاد.
وكتبت الكاتبة الراديكالية المناهضة للإسلام "أيان هيرسي علي" فيلماً استفزازياً واغتيل مخرج الفيلم ولم تستطع "علي" العيش في هولندا، لذا انتقلت إلى واشنطن العاصمة وبدأت في القيام بدعاية مناهضة تستهدف المسلمين.
كما توفي "بيم فورتوين" وهو سياسي هولندي يميني متطرف شديد العداء للمسلمين، بشكل مريب في حادث سيارة. ومنذ ذلك الحين، ترسخت جذور الإسلاموفوبيا في السياسة الهولندية.
لكن وبالرغم من كل ما سبق دعونا نذكر أن هولندا لا تتكون من المتطرفين فقط. بل الواقع يقول العكس تماماً، فروح الأمة الليبرالية على قيد الحياة وهي لا تزال بصحة جيدة أيضاً وهناك إيمان قوي بالديمقراطية التعددية. وأنا على يقين من هذا مما أعرفه من أصدقائي الهولنديين والصحفيين والمناقشات الداخلية في البلاد.
لذلك، لا يمثل "فيلدرز" سوى نهجاً هامشياً في أوروبا. ومع ذلك، فنهجه نهج خطير ويجب التشكيك في ما إذا كانت هذه الأنواع من الاستفزازات تقع ضمن حرية التعبير. مع أنني لا أعتقد أن هذا صحيح بالنظر إلى أن رسالته تضمنت أفكاراً خطيرة ودعت الناس إلى التعبئة ضد المواطنين الأبرياء.