لعل أولها معرفة أن أكثر من 4 مليارات شخص سيشاركون في الانتخابات على مدار العام، ما يسلط الضوء على عمليات الاقتراع الحاسمة في الولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة والهند وتايوان وبنغلاديش. وقد تؤدي القضايا الرئيسية مثل أوكرانيا وغزة والنزاع التايواني والبرنامج النووي الإيراني والصراع الإسرائيلي العربي في الشرق الأوسط إلى جانب الشكوك المحيطة بأسعار الطاقة والتطورات غير المتوقعة بسبب تغير المناخ، إلى تحولاتٍ تؤثر بعمق على السياسة الدولية.
وعلى مدار الـ 24 شهراً الماضية، عاد 78 صراعاً إلى الاشتعال بشكل كامل أو تحركت صراعات كانت مجمدة سابقاً وعادت لتدخل من جديد في المراحل النشطة. ويبرز مقالي هذا الجوانب التي تحدد مشهد الصراع داخل النظام الدولي.
الفوضى النظامية
لا تزال حالة عدم اليقين المحيطة بالتغيّرات والتحولات المنهجية قائمة، حيث يلعب موقف الولايات المتحدة دوراً محورياً بالرغم من التحدي الخطير لمكانة الولايات المتحدة العالمية في مختلف المجالات. وفي حين أن الصين قد لا تتمكن حالياً من موازنة الولايات المتحدة عسكرياً، إلا أنها تمتلك القدرة على القيام بذلك في قطاعات محددة في المستقبل القريب. وقد يمنح هذا الاحتمال الصين قوة توازن إقليمية ضد الولايات المتحدة. وعلاوةً على ذلك، ظهر هجوم ملحوظ على الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، لا سيما بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، ما زاد في تعريض موقفها للخطر.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تتصدر الولايات المتحدة دول العالم قاطبةً باعتبارها واحدة من أكبر الاقتصادات، متجاوزةً اقتصادات أوروبا والصين مجتمعة. ومع ذلك، لا يزال المشهد الاقتصادي العالمي يمثل تحدياتٍ كبيرةً للهيمنة الاقتصادية الأمريكية، ولا سيما من القوى الإقليمية مثل الهند. وعلى الصعيد الدبلوماسي، يبدو أن التفوق الأخلاقي للولايات المتحدة قد تضاءل، وخاصة بسبب ما أظهره الصراع في غزة، الأمر الذي أدى إلى تآكل مصداقية الدبلوماسية الأميركية. وقد تعثر هدف إدارة جو بايدن المتمثل في إنشاء نظام دولي قائم على القواعد، ما عزز تبرير السلوك الجامح من قبل جهات فاعلة عالمية أخرى.
ومن المخاوف النظامية الأخرى استمرار احتلال روسيا لأوكرانيا، إذ ترمي أهداف روسيا الجيوسياسية التي لم تتغير، إلى تحويل أوكرانيا إلى دولة مغلقة على البحر الأسود. ومع عضوية فنلندا في حلف شمال الأطلسي واحتمال انضمام السويد إلى الحلف، تكثف هدف روسيا وتعاظم أكثر. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن يحقق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا الطموح بحلول عام 2024. ونتيجةً لذلك، بدت ساحة المعركة في الصراع الأوكراني راكدةً، مع تباين بين الكثافة العملياتية العالية وعدم قدرة موسكو على تحقيق تطلعاتها الجغرافية.
ورغم أن الغرب يقدم مساعدات عسكرية كبيرة لأوكرانيا، فإن ذلك لم يغير الوضع على الأرض بشكل حاسم ضد روسيا. ويظل التقدم الدبلوماسي راكداً، ما يعيق تقدم أوكرانيا نحو مفاوضات السلام، المشروط بالانسحاب الكامل للقوات الروسية من الأراضي الأوكرانية. كما تبدو خطة السلام الأوكرانية راسخة، لذلك يُتوقع استمرار الوضع الراهن طيلة عام 2024، مع احتمال تأثير الانتخابات الرئاسية الأمريكية على العملية الأوكرانية.
وعلى نحو مماثل، فمن غير المرجح أن تؤدي الانتخابات المقبلة في روسيا إلى تعطيل رئاسة بوتين، وتعزيز سلطته ما لم يحدث أمر غير متوقع يغير المسار. وقد يؤثر هذا على العلاقات بين روسيا وأوروبا، وخاصة إذا نجح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في تحقيق النصر، ما قد يؤدي إلى تمكين موقف أوروبا المستقل بشأن أوكرانيا.
مستقبل غامض للشرق الأوسط
وبعيداً عن أوكرانيا، يمثل الصراع بين إسرائيل وغزة جبهة أخرى مهمة في الشرق الأوسط، حيث تشير الطبيعة المطولة للهجمات الإسرائيلية في غزة إلى استمرارها، الأمر الذي يهدد بسقوط المزيد من الضحايا المدنيين واحتمال انتشار الصراع إلى الدول المجاورة. وفي الوقت الذي قد تحقق فيه إسرائيل انتصارات عسكرية، فإنها قد تواجه خسائر استراتيجية على المستوى الإقليمي. ويهدد الصراع المطول الأسس التي أرساها التطبيع واتفاقات إبراهيم. كما يمكن بعد الحرب، أن تشمل استراتيجيات إسرائيل الأمنية المتوسعة سوريا والعراق، وهذا قد يزيد بدوره من التوترات مع إيران.
إن احتمال تشكيل كتلة سياسية مناهضة لإسرائيل في المنطقة يلوح في الأفق بشكل كبير، وهو ما قد يدفع الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في استراتيجية الانسحاب من الشرق الأوسط، وربما زيادة وجودها العسكري. ويمكن لإدارة ترامب أن تغير هذه الديناميكية، وتعزز تحالفاً جديداً بين الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية.
ولا يزال اليمن منطقة صراعٍ أخرى من المرجح أن تتصاعد. ومن الممكن أن تؤدي قضية البرنامج النووي الإيراني التي لم يتم حلها إلى اندلاع سباق تسلحٍ نوويٍ في الشرق الأوسط، ما قد يجذب المملكة العربية السعودية وتركيا نحو هذا المحور.
وتحمل تكلفة الحرب الإسرائيلية المستمرة في غزة أهمية قصوى بالنسبة لهذه السيناريوهات. ولا يزال دور تركيا في هذه الديناميكيات متشابكاً، الأمر الذي يستلزم سياسة خارجية ديناميكية في بيئة إقليمية شديدة التنافسية والعدوانية عام 2024.
وإذا ما تذكرنا السيناريو قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، الذي بدت فيه المملكة العربية السعودية بصدد التوسط للتوصل إلى اتفاق مع الحوثيين لوقف الحرب اليمنية، والتفاوض على اتفاق آخر مع إسرائيل، بالإضافة إلى إنشاء أساس هيكلي للتطبيع بين إسرائيل وتركيا، فإننا سندرك أن لا شيء من هذه الخطط بقي صالحاً اليوم.
وخلافاً للتوقعات، فقد تشهد المنطقة عودة العمليات التنافسية والعدوانية.