زار الرئيس أردوغان مدينة سمرقند التاريخية في أوزبكستان لحضور اجتماع القمة الثاني والعشرين لمنظمة شنغهاي للتعاون الذي عقد يومي 15 و16 سبتمبر/أيلول، ثم توجه إلى نيويورك لحضور الاجتماع السنوي 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة. وتشير هاتان الزيارتان إلى الآفاق الجديدة في السياسة الخارجية التركية.
لقد كانت قمة سمرقند مختلفة عن القمم السابقة لمنظمة شانغهاي للتعاون من حيث جدولها الزمني الشامل ومناقشة المشاركين فيها للعديد من القضايا. وانتهت بتوقيع 44 وثيقة مختلفة منها وثائق استراتيجية هامة.
وبعبارة أخرى، وسعت منظمة شنغهاي للتعاون مجال اهتمامها بعد أن بدأت بشكل أساسي كمنظمة أمنية، لكنها لاحقاً غطت العديد من القضايا الاقتصادية في مجالات مختلفة مثل التجارة والتنمية والبنية التحتية والأمراض وتغير المناخ. وراحت تقدم حلولاً ليس فقط لمشاكل الدول الأعضاء ولكن للمشاكل العالمية أيضاً.
واتصفت المشاركة بالكثافة نسبياً، فإلى جانب قادة وممثلين كبار من 20 دولة بعضها تتمتع بعضوية كاملة، حضر القمة أعضاء مراقبون أو شركاء حوار إلى جانب رؤساء أكثر من 10 منظمات دولية، ما يعتبر مؤشراً على زيادة فعالية وأهمية المنظمات.
وبطبيعة الحال لا تريد تركيا أن تضيع فرصة تحسين علاقاتها مع مؤسسة صاعدة، كما أنها ترى أن تحسين علاقاتها مع القادة السياسيين غير الغربيين بما في ذلك منظمة شنغهاي للتعاون، وسيلة للخروج من الحصار الغربي. وكلما زاد الغرب ابتعاداً عن تركيا زاد بحثها عن استراتيجيات للخروج. ومن ناحية أخرى، تحاول العديد من الدول الإقليمية أن تكون جزءاً من منظمة شنغهاي للتعاون بعد أن أصبحت باكستان والهند وإيران وبيلاروسيا أعضاء كاملين فيها.
وتضم المنظمة في الوقت الحالي 10 أعضاء كاملي العضوية ودولتين مراقبتين و14 شريكاً في الحوار. وتتجه معظم دول آسيا والشرق الأوسط لأن تصبح دولاً مراقبة أو شركاء في الحوار. وتتسم علاقات بعض هذه الدول مثل إيران وأرمينيا مع أنقرة بالتوتر والصراع الأمر الذي يدفع تركيا لعدم التخلف عن الركب إذ لا تريد أن تُستخدم هذه المنصة ضد مصالحها الوطنية.
وبصفته زعيماً شريكاً في الحوار، ألقى الرئيس أردوغان كلمة أمام القمة في الدورة الثانية في أول مشاركة لتركيا على المستوى الرئاسي منذ حصولها على مكانة شريك حوار عام 2012. وخلال القمة التي استمرت يومين، التقى الرئيس أردوغان بالعديد من القادة، بما فيهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.
وحول بناء جسور وعلاقات جديدة إلى جانب العلاقات مع الغرب، أشار أردوغان إلى أن تركيا مصممة على تحسين علاقاتها مع منظمة شنغهاي للتعاون وأعضائها. ومع أن الأمر ليس سهلاً، فقد صرح أن تركيا قد تفكر في العضوية الكاملة للمنظمة.
أما بالنسبة لزيارة نيويورك، فقد بدأها الرئيس أردوغان بتقليد إلقاء خطبة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ما وفر منصة للزعيم التركي لمشاركة آرائه مع العالم.
وشدد الرئيس أردوغان في خطابه على قضيتين عامتين أولاهما، طلب تغيير النظام العالمي إذ سلط الضوء على ضرورة إعادة هيكلة نظام الأمم المتحدة لجعله أكثر شمولاً وبالتالي أكثر فعالية. كما طلب من الدول الرائدة التعاون في القضايا العالمية لإيجاد حلول "عادلة".
ومن ناحية أخرى، أثار القضايا الإقليمية والوطنية مطالباً الدول الغربية والمؤسسات العالمية بوقف الممارسات اليونانية في شرق المتوسط.
وخلال إقامته التي استمرت 5 أيام في نيويورك، التقى الرئيس أردوغان بالعديد من الرؤساء ورؤساء الوزراء ورؤساء المنظمات الدولية، ما يوضح أنه بالرغم من محاولات بعض الدول الغربية، تبقى تركيا وزعيمها أبعد ما يكونان عن العزلة. بل على العكس من ذلك، التقى العديد من القادة بمن فيهم القادة الغربيون بالرئيس أردوغان، على أمل تحسين علاقاتهم مع تركيا لأنها لاعب فعال في النظام الدولي. وسواء أعجبهم ذلك أم لا، لا يمكن لأي دولة أن تتجاهل دور تركيا خاصة في الأزمات الأخيرة.
وحول زيارتي أردوغان الأخيرتين، يمكن استخلاص العديد من الاستنتاجات. فقد أظهرت الزيارات والاجتماعات الجانبية خلال هاتين القمتين تصميم تركيا على اتباع سياسة خارجية مستقلة ومتنوعة وعالمية النطاق وهي تواصل رغم محاولة عزلها وتهميشها من قبل الغرب، تنويع علاقاتها وتوسيع انتشارها.
ولا تزال تركيا مع كل محاولات الغرب في قلب الدبلوماسية الدولية، وقد حافظت على علاقات جيدة مع مختلف الدول الشرقية والغربية. علاوة على ذلك، اتخذت تركيا ورئيسها أردوغان مبادرات فعالة في الأزمات الدولية. فعلى سبيل المثال، أشاد العالم بدورها الحيوي في الحرب بين أوكرانيا وروسيا حين توسطت أولاً بين الأطراف المتحاربة لفتح ممر الحبوب وتصديرها إلى البلدان المحتاجة، ثم توسطت في تبادل أسرى الحرب. ما يعني أنه بالرغم من كل حملات التشهير والعقبات، فإن أنقرة تساهم بشكل واضح في السلام والاستقرار الدوليين.
كذلك أظهرت الزيارتان الأخيرتان أن بعض "الحلفاء الرسميين" لتركيا مثل الولايات المتحدة وفرنسا، يواصلون التمسك بموقفهم المناهض للبلاد. ولا تزال الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية لا تريد قبول الدور التركي الجديد في السياسة الدولية. وعلى سبيل المثال، لم يلتق الرئيس الأمريكي جو بايدن بالرئيس أردوغان ولم يشر إلى تركيا أثناء شرحه لتطورات الصراع في أوكرانيا.
إلا أن الجانب التركي لم يعر اهتماماً كبيراً لهذا الموقف السلبي، إذ التقى أردوغان بعشرات القادة في البيت التركي في مانهاتن على الجانب الآخر من مقر الأمم المتحدة.
أخيراً، أوضحت القمتان أيضاً أن التحول في النظام العالمي قد تسارع، وراحت السياسات الأحادية المتزايدة للدول الغربية واستيائها من النظام الدولي تُفقدها ثقة الدول الأخرى. حتى الحلفاء الغربيون التقليديون بدأوا في البحث عن حلفاء أو شركاء جدد.
وتركيا هي أيضاً واحدة من الدول التي تحاول تحسين علاقاتها مع الدول غير الغربية. وبالنظر إلى التسليح الثقيل الذي تقوم به الدول الغربية والولايات المتحدة للجزر اليونانية في بحر إيجه، يتعين على أنقرة أن تعتمد على مواردها بدلاً من اعتمادها على حلف الناتو.