لطالما دعمت الدول الغربية المعتدي الظالم بدلاً من البريء المظلوم ولا غرابة في ذلك، والأمر نفسه يندرج على العنف اليوناني ضد القبارصة الأتراك.
فالدول الغربية تنتهج طريقة تعسفية في تجاهل المشكلة في العديد من الأزمات الإقليمية مع المبالغة في مواقفها المتحيزة. وعلى سبيل المثال، لم تستجوب هذه الدول بتاتاً الفظائع الأرمينية والقتل الجماعي للأذربيجانيين الأبرياء في إقليم قره باغ خلال الحرب الأولى في التسعينيات. بل غضوا الطرف عن الإبادة الثقافية التي يرتكبها الأرمن الذين دمروا العديد من المواقع الثقافية والدينية في المنطقة. وبدلاً من ذلك، لا يزالون يميلون إلى إلقاء اللوم على الجانب الأذربيجاني لاستمرار الأزمة جنوب القوقاز.
وبالمثل، تجاهلت الدول الغربية على الدوام الأعمال الوحشية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين مع يقينهم باستمرار التوسع الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية واستخدام العنف ضد الفلسطينيين الأبرياء، بمن فيهم النساء والأطفال. إضافةً إلى قبولهم سياسة الأمر الواقع الغير قانونية في فلسطين، وتوقفهم عن مطالبة الحكومة الإسرائيلية بالانسحاب من مرتفعات الجولان السورية.
العنف ضد القبارصة الأتراك
وللدول الغربية موقف مماثل حول قضية قبرص. ومن المعلوم للجميع أن الجانب اليوناني تعامل مع الأقلية التركية في الجزيرة بعنف فور إعلان جمهورية قبرص، وزادوا من هجماتهم على الأتراك طوال الستينيات، بل انتهك اليونانيون الدستور ودمروا روح الشراكة والتعايش السلمي. واضطرت تركيا بعد الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 1974 الذي حاول فيه القبارصة الروم ضم الجزيرة وإلحاقها باليونان، للتدخل من أجل ضمان حياة القبارصة الأتراك، وتصرفت تركيا كدولة ضامنة لحماية القبارصة الأتراك من الاضطهاد والعنف.
وفي بيان نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي في ذكرى المرحلة الثانية من عملية السلام القبرصية، قال وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس إن قبرص لا تزال قضية احتلال "غير قانوني" لم تُحل بعد، مدعياً أن الحل الوحيد هو الفيدرالية وانتقد التدخل العسكري التركي مثل أي سياسي يوناني آخر، دون أن يتطرق للسبب والدافع الرئيسي وراء هذا التدخل العسكري، والذي يكمن بإراقة الدماء والعنف الذي تعرض له القبارصة الأتراك لسنوات.
وإلى الآن يتبنى السياسيون ووسائل الإعلام في الدول الغربية نفس الموقف تجاه الأزمة، ويلومون تركيا دائماً على الجمود في حل المشكلة. وبالرغم من أن الجانب التركي صوّت عام 2004 لصالح خطة عنان التي تم إعدادها تحت رعاية الأمم المتحدة، حيث وافقت نسبة 65% تقريباً على الخطة، لكن الجانب اليوناني رفضها بنسبة أكثر من 75%. وبدلاً من إجبار اليونانيين على تسهيل عملية التسوية، انحاز الاتحاد الأوروبي إلى جانبهم.
ضم قبرص الرومية إلى الكتلة الأوروبية كعضو مستقل
وافق الاتحاد الأوروبي على ضم قبرص الرومية التي تشكل جزءاً من الجزيرة، كعضو كامل العضوية. وهو بذلك انتهك أحد مبادئه الرئيسية التي تدعو جميع الدول المرشحة إلى حل مشاكلها الحدودية قبل التقدم بطلب لتصبح كاملة العضوية. ما يعني أن الاتحاد الأوروبي وافق على قبرص الرومية دون أن تحل المشكلة الحدودية على الجزيرة. بل ذهب التكتل إلى أبعد من ذلك وقبل إدارة قبرص الرومية باعتبارها الفاعل السياسي الوحيد الذي يمثل الجزيرة.
ويتوقع كل من اليونانيين وداعميهم الغربيين أن تنسى تركيا والقبارصة الأتراك جميع الفظائع التي ارتكبها الجانب اليوناني وأجندة "إينوسيس". ولم يبذل الجانب اليوناني الذي غادر طاولة المفاوضات في كرانس مونتانا عام 2017 ، أي جهد للتوصل إلى حل دائم في الجزيرة. وبدلاً من ذلك، تقوم الكتلة الغربية بمطالبة تركيا بالعودة إلى الخضوع للروم متجاهلاً حقوق السيادة والمساواة للقبارصة الأتراك.
وتكمن المشكلة الأكبر في أن كل ما يقوله الجانب اليوناني تقبله الدول الغربية بشكل فوري وتلقائي. فمنذ عام 2004 عندما رفض اليونانيون خطة عنان وقبل الاتحاد الأوروبي قبرص الرومية كعضو كامل العضوية، فقدت الدول الغربية حيادها ومصداقيتها في لعب دور الوسيط في قضية قبرص. وهم يحاولون باستمرار استخدام المسألة القبرصية للضغط على تركيا بسبب قوتها المتزايدة ووجودها في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط.
وكما تفعل الدول الغربية دائماً يتجاهلون السبب الرئيسي الكامن وراء المشكلة في علاقاتهم مع تركيا، وبدلاً من ذلك يركزون على ردود الفعل المشروعة للبلاد تجاه المواقف المتحيزة التي يتخذونها. وخير مثال على ذلك تجاهلهم لعسكرة اليونان للجزر منتهكةً بذلك المعاهدات الدولية ذات الصلة. ويحاولون انتقاد رد تركيا على اليونان.
وما من شك أبداً أن الدول الغربية ستدرك قريباً أن تكلفة مواقفها المناهضة لتركيا سترتفع بشكل متزايد وتؤدي إلى نتائج عكسية، لأنها تواجه قوة ناشئة متصاعدة مثل تركيا في وقت تشتد فيه المنافسة العالمية.