تظهر التطورات الأخيرة أن أوكرانيا محشورة بين قوة عدوانية وانقسام خامل، وبسبب هذا الوضع أصبحت البلاد تعاني من عدم الاستقلال إذ باتت موضوعاً وليس فاعلاً يعاني من أزمة. ولا يهتم التحالف الغربي ولا الاتحاد الروسي بما تحتاجه أوكرانيا، فكل جانب يحاول التدخل في السياسة الداخلية لها، لتعظيم مصالح كل منهما في مواجهة الآخر.
ونتيجة لهذه التدخلات الخارجية، تنقسم السياسة الداخلية الأوكرانية إلى قسمين يدفعان الدولة إلى حالة من الاضطراب المستمر. وبينما تسعى إحدى المجموعات إلى تحسين مستقبل البلاد في إطار التحالف الغربي، يدعم الجانب الآخر توثيق علاقاتها مع الاتحاد الروسي.
من ناحية أخرى، تحاول الدول الغربية دمج أوكرانيا في معسكرها. ففي البداية أعلن الرئيس جورج دبليو بوش برنامجاً عام 2008 يجعل أوكرانيا وجورجيا عضوين في الناتو. وبعد ذلك، تفاوض الاتحاد الأوروبي على اتفاقية شراكة مع أوكرانيا. لكن فيكتور يانوكوفيتش رفض التوقيع على الاتفاقية بعد وصوله إلى السلطة عام 2010.
وكرد فعل على هذه التطورات وبدعم من الدول الغربية، نظمت مجموعات المعارضة ذات التوجه الغربي احتجاجات جماهيرية أدت إلى الإطاحة بحكومة يانوكوفيتش في فبراير/شباط 2014. وهرب يانوكوفيتش إلى روسيا ووصلت حكومة موالية للغرب إلى السلطة، ما جعل التحالف الغربي يفوز مؤقتاً بجبهة مهمة ضد روسيا.
لكن هل تقبل روسيا خسارة أوكرانيا؟ لقد أثبتت التطورات التي تلت ذلك خلاف هذا الرأي.
فبعد الإطاحة بيانوكوفيتش، أعلنت روسيا أنها لن تحترم استقلال الدولة الأوكرانية وبدأت في المطالبة بأجزاء من أراضيها. وراحت تستغل عدم الاستقرار السياسي الداخلي في أوكرانيا لتتدخل بشكل مباشر في الشؤون الداخلية للبلاد. وبينما ضمت شبه جزيرة القرم، دعمت موسكو الميليشيات الموالية لها والناطقة بالروسية في منطقة دونباس في قتالهم ضد الحكومة الأوكرانية. وقدمت لهم الأسلحة والمستشارين العسكريين إلى أن تمكنوا في النهاية من إعلان إنشاء جمهوريتين مستقلتين مواليتين لروسيا. وانتهى الأمر بتقسيم الدولة الأوكرانية بتحريض وإلهام من الغرب من خلال ما أطلق عليها ثورة الميدان في فبراير/شباط 2014.
وتعتبر روسيا مستقبل بيلاروسيا وأوكرانيا خطاً أحمرا لأمنها، وهي تريد الحفاظ على هاتين الدولتين كمنطقة عازلة بين التحالف الغربي وبينها. وفي الواقع، لا توجد كتلة غربية موحدة ضد روسيا. فقد أقامت الولايات المتحدة علاقات أوثق مع المملكة المتحدة وأستراليا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ومن ناحية أخرى، تحاول أوروبا تبني سياسة خارجية أكثر استقلالية تجاه القوى العالمية الأخرى مثل روسيا والصين. ومع ذلك، يبدو أنه لن يكون من السهل على الدول الأوروبية مثل ألمانيا الابتعاد عن سياسات الولايات المتحدة.
وحتى الدول الأوروبية القارية لديها تصورات مختلفة ومتضاربة في بعض الأحيان تجاه روسيا. وهذا كله من شأنه أن يجعل من الصعب وصف أولويات الناتو. فعلى سبيل المثال، إذا قررت الولايات المتحدة إرسال قوات عسكرية إلى المنطقة فليس من الواضح أين ستتمركز هذه القوات الأمريكية. كما تثير هذه النقطة أسئلة مثل، أين سيتم إنشاء خط الدفاع؟ وماذا سيكون الخط الأحمر للولايات المتحدة؟ وهل ستحاول الولايات المتحدة استرضاء روسيا واتباع سياسة مرنة نسبياً في أوكرانيا؟ وهل ستعترف الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى بغزو "محدود" أو "جزئي" لأوكرانيا؟
وبالتأكيد ليس من السهل الإجابة على كل هذه الأسئلة نظراً إلى الترابط بين روسيا والتحالف الغربي.
وبشكل عام، يمكن القول بأن كلاً من التحالف الغربي وروسيا يلعبان لعبتهما الكبرى على حساب أوكرانيا. وبالنظر إلى مطالب الجانبين، لن يتم حل الأزمة الأوكرانية بسهولة. وسيستمر الغرب في دعم أوكرانيا، لكنه لن يخوض حرباً واسعة النطاق مع روسيا. وفي الوقت الحاضر، تتعرض الدولة الأوكرانية بالفعل لأنواع مختلفة من الهجمات مثل الهجمات الإلكترونية ونقص الطاقة والمناوشات المحلية من قبل القوات العسكرية التقليدية على الحدود. وفي النهاية، ليست الدول الغربية وشعوبها هي من ستدفع الثمن الباهظ، بل الدولة الأوكرانية وشعبها.
وبالنظر إلى أن عام 2022 يصادف الذكرى المئوية لتأسيس الاتحاد السوفيتي عام 1922، وأن العديد من الروس ما زالوا يعتقدون أن أوكرانيا هي جزء من روسيا، فقد يتوقع المرء أن القادة الروس قد يحاولون استعادة جزء من أوكرانيا على الأقل. وتأمل روسيا في أن ينسى الرأي العام العالمي مستقبل شبه جزيرة القرم ومنطقة دونباس، بل حتى أن يقر بالأمر الواقع الروسي الأخير.