سيظل قتل الصحافي السعودي المعروف المفكر والمساهم بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية جمال خاشقجي يُذكر كمعلم وعلامة بارزة في السياسة السعودية بالشرق الأوسط. ستغير القضية من خلال تأثيرها على كل الموضوعات الإقليمية، موازين القوى الإقليمية والتوقعات العالمية من أجل المنطقة. وفي هذا المقال سأقوم بتحليل تداعيات القضية على بعض النزاعات الإقليمية.
أولاً، بسبب التداعيات الداخلية لقضية خاشقجي ستواجه الإدارة السعودية معارضة سياسية أقوى من داخل العائلة الملكية والمؤسسة الدينية والمجموعات الإصلاحية.
لقد شهدت المملكة خروقات كبيرة للتقاليد مما سبب حالة من عدم الاستقرار السياسي، وقضية خاشقجي ستكون فقط بمثابة صب الزيت على النار.
علاوة على ذلك ستواجه السياسات الداخلية للنظام السعودي انتقادات من الخارج أكثر من أي وقت مضى. وقد بدأت الدول الغربية بالفعل في انتقاد النظام السعودي بسبب سياساته المتضاربة والمبتذلة تجاه الدول الأخرى. على سبيل المثال، بالغت السعودية مؤخراً في ردة فعلها تجاه تصريح لوزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند علقت فيه على اعتقال مواطنة كندية في المملكة العربية السعودية.
فعندما طالبت فريلاند السعوديين بإطلاق سراح مواطنتها قررت السعودية تجميد علاقاتها مع كندا. كذلك بدأت دول أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا في اتخاذ تدابير ملموسة ضد المملكة. على سبيل المثال، أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنها ستوقف تصدير الأسلحة إلى السعودية حتى انتهاء التحقيقات في قضية خاشقجي.
لقد أسقطت قضية خاشقجي كل ما حاول أن يشيده ولي العهد محمد بن سلمان على مدار الأعوام الماضية وسيكون من الصعب جداً على السعودية أن تستعيد الدعم الإقليمي والدولي لرؤيتها الإقليمية. وكنتيجة لذلك سيؤدي الضعف السياسي والخسائر الاقتصادية إلى تدخل أقل من قبل المملكة في الملفات الإقليمية.
وفي ضوء ذلك أيضاً سيواجه التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن انتقادات أكثر بسبب مقتل أعداد كبيرة من المدنيين وانتهاكات حقوق الإنسان خلال العملية العسكرية المستمرة حالياً.
تقوم الرياض بعمليات عسكرية في اليمن منذ أربع سنوات، وتسببت هذه العمليات في مقتل عشرات الآلاف من المدنيين وتسببت بمعاناة ملايين اليمنيين من النساء والأطفال من المجاعات. حتى وقت قريب لم يكن هناك أي اعتراضات على العملية. لكن يتوقع بعد حادثة مقتل خاشقجي أن ترفع مؤسسات غربية أصواتها ضد انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن. واستمراراً لهذا الموقف لن تحظى السياسات السعودية ضد إيران بمزيد من الدعم من قبل الغرب. وقد بدأت بالفعل بعض الدول الأوروبية مثل المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا في توجيه انتقادات لسياسة المملكة العربية السعودية تجاه إيران.
كما ستؤثر قضية خاشقجي سلبياً على التوقعات المقترحة من قبل إدارة الرئيس الأمريكي ترامب. أولاً ستعرقل القضية تنفيذ "صفقة القرن"؛ وذلك لأن محور الاتفاق أي ولي العهد السعودي قد ارتبط اسمه بقتل الصحفي خاشقجي.
إدارة ترامب وصهره وكبير مستشاريه جاريد كوشنر الصديق المقرب من ولي العهد السعودي سيواجهان انتقادات بسبب دعمهما لابن سلمان. وسيصبح الدفاع عن ابن سلمان أمراً صعباً بسبب أن هذه الادعاءات التي دمرت شرعيته.
علاوة على ذلك، ربما تعرقل قضية خاشقجي تأسيس التحالف الإستراتيجي للشرق الأوسط (MESA) أحد مشاريع الشرق الأوسط التي وضعتها إدارة ترامب. وبما أن السعودية هي الدولة المحورية في هذا التحالف المزمع، فسيكون من الصعب جداً تشكيل تحالفات عسكرية فعالة في المنطقة بعد تدمير التصور الإيجابي والإصلاحي عن السعودية. كما أن بعض الدول مثل قطر والكويت لم تكن متحمسة منذ البداية للمشاركة في هذا المشروع. وبعد مقتل خاشقجي، ستتردد الدول الإقليمية والعالمية في التعاون مع النظام السعودي.
مع أخذ كل هذا في الاعتبار، يصبح من السهل التنبؤ بتدهور وضع المملكة العربية السعودية في المنطقة. مع ذلك، على الدول الإقليمية خاصة تركيا أن تكون حذرة في السياسات التي ستتبعها بينما تحاول ملء الفراغ.