بدأت التقارير المتحيزة حول الملف الذي تقدم به المدعي العام التركي، بكر شاهين، في 17 مارس/آذار بحل حزب الشعوب الديمقراطي، تكثر وتنتشر في وسائل الإعلام الدولية.
وقد فاضت مواقع الإنترنت بمقالات من يسمون أنفسهم "خبراء بالشأن التركي" لكن دون ذكر أسباب أو مضمون لائحة الاتهام.
فعلى سبيل المثال، قدمت شبكة "فرانس 24" الإخبارية المملوكة للحكومة الفرنسية، أخبار هذا الملف باختيار عناوين منحازة: "حزب الشعوب الديمقراطي التركي المؤيد للأكراد يُحارب الانقلاب السياسي" و"تحركات حكومية لحظر حزب الشعوب الديمقراطي". يا للسخرية...
لا أعرف من أين أبدأ في تصحيح ذلك. أولاً، من قام برفع الدعوى ليس الحزب الحاكم، بل المدعي العام الجمهوري هو من تقدم بالتماس إلى المحكمة الدستورية لرفع دعوى قضائية لإغلاق حزب الشعوب الديمقراطي. إذن، فالخطوة جاءت من إحدى الجهات الدستورية العليا التي تطبق القانون باسم الدولة.
أما لماذا استخدمت "فرانس 24" اختصار "govt" الذي يعني النظام الذي يحكم الدولة، بينما يتم تفسيره في الغالب على أنه الحزب الحاكم؟ فأترك الجواب للقراء.
ومن التحيز الآخر في عناوين مثل "حزب الشعوب الديمقراطي يُحارب الانقلاب السياسي" أنها توحي كأن الأمر حقيقي . وإلا فما الذي يجعل اتهام المدعي العام ضد حزب الشعوب الديمقراطي "انقلاباً سياسياً"؟ إنه أول بيان رسمي للرئيسين المشاركين في حزب الشعوب الديمقراطي برفين بولدان وميثان سنقر الذي صرحا به بعد طلب الالتماس، وجاء فيه أن "قضية إغلاق حزبنا هي انقلاب على الديمقراطية والقانون في البلد".
وبالإشارة إلى أن "بولدان" و"سنقر" لم يستخدما حتى كلمة "بلدنا" بدلاً من "البلد"، في حين أن استخدام كلمة "انقلاب" حول الدعوى القضائية المعنية تم فقط داخل تركيا من قبل المتهمين أنفسهم، فكيف استنتجت "فرانس 24" بهذه السرعة أن الأمر هو "انقلاب سياسي"؟
من الواضح أن قناة "فرانس 24" بوضعها عنواناً رئيسياً يبدأ بـ "حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد في تركيا يحارب الانقلاب السياسي"، تعطي فرصة لمناورة متسترة أو لتوضيح الأمر. وهي تقوم عمداً باستخدام عناوين مثيرة كما فعلت ذلك مرات عديدة في عمليات تركيا ضد بي كا كا الإرهابي الذي قتل أكثر من 40 ألف مواطن تركي بينهم آلاف الأكراد وفرعه السوري ي ب ك الدموي.
ما تود فرانس 24 إيصاله للقراء واضح جداً وهو: "الحكومة التركية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان ترى الأكراد على أنهم أعداء". لكنها لا تستطيع المجاهرة به لأنه ليس صحيحاً. إنهم فقط يخدعون جمهورهم ويتلاعبون بالرأي العام من خلال الصياغة الضمنية ولكن الماهرة. ثم يزعمون أنه إعلام موضوعي وغير متحيز.
وبالنظر للوقت الذي استغرقه تفكيك العنوان فقط فلا داعي برأيي لتحليل كامل نص ما يسمى بالتقرير الإخباري. ومن ناحية أخرى، معظم الوكالات الإعلامية المناهضة لأردوغان لا تختلف أساليب تغطيتها الإعلامية عن الفرنسية، عدا أن جميعها تدحض كذبة عدم وجود صلات بين حزب الشعوب الديمقراطي وتنظيم بي كا كا الإرهابي.
ومن دواعي السخرية أنه عندما تأسس حزب "الفجر الذهبي" اليميني المتطرف في اليونان على يد جماعة إجرامية منذ وقت ليس ببعيد، وصعد ليصبح ثالث أكبر حزب في البلاد في أزمتها المالية الأخيرة، اعتبر ذلك دون شك "يوماً تاريخياً حقاً لليونان" و"انتصاراً للديمقراطية".
وبالعودة إلى تركيا، فإن ما لا يقل عن 955 تقريراً من تحقيقات الشرطة البالغ عددها 1.336 تقرير التي أعدت ضد نواب حزب الشعوب الديمقراطي وأرسلت إلى البرلمان التركي، لا تتضمن فقط اتهاماتٍ "بتعطيل وحدة وسلامة الدولة" ولكن تشمل أيضاً تهم "القتل" و"محاولة القتل" و"النهب" وغير ذلك.
علاوة على ذلك، يتم إغفال الروابط المباشرة بين حزب الشعوب الديمقراطي وتنظيم بي كا كا الإرهابي في بحر الأخبار الكاذبة على الإنترنت، وذلك فقط لأن الحزب يجادل بأنه يمثل جميع الأكراد على الساحة السياسية التركية، وهذا غير صحيح على الإطلاق بل إنه النفاق بعينه.
وبالمثل، تنظيم بي كا كا الإرهابي يدعي أيضاً أنه ممثل الأكراد وهذا كذب بالتأكيد، لكن المتعاطفين مع التنظيم المشؤوم وكذلك الدوائر المناهضة لأردوغان، يتجاهلون الحقائق بسهولة.
وإذا ما ثبتت الاتهامات في الدعوى التي أعدها المدعي العام الجمهوري للمحكمة العليا ضد قيادات حزب الشعوب الديمقراطي وأعضائه بالتصرف بطريقة تهدد ديمقراطية تركيا وقواعد القانون وسلامة الدولة ووحدتها، فعندئذ يستحق الحزب أن ينتهي.
وأخيراً لا أريد أن أكرر في هذا المقال جرائم بي كا كا الإرهابي والمنتسبين إليه، ولا أسعى لإثبات ما هو واضح ومؤكد من روابط حزب الشعوب الديمقراطي مع التنظيم الدموي لأنني كتبت في هذا عدة مرات. لكن إعدام 13 مواطن تركي اختطفهم التنظيم، لهو واحد فقط من الأمثلة العديدة الحديثة التي يمكنها أن تعطي فكرة جديدة عما كتبته آنفاً.