اعتقلت السلطات التركية اثنين من عملاء المخابرات في إسطنبول الأسبوع الماضي، يشتبه في قيامهما بالتجسس لصالح دولة الإمارات العربية المتحدة ضد مواطنين عرب. وبحسب ما ورد، اعترفت عصابة التجسس بالتهم الموجهة إليها. وقالت إن عملية الاستخبارات التي كانت تنفذها، تستهدف المنفيين السياسيين والطلاب من العالم العربي، وخاصة المنشقين السعوديين والمصريين، فضلاً عن تشكيل كيان مناهض لتركيا.
تقول مصادر قضائية إن المواطنين الإماراتيين تم احتجازهما كجزء من التحقيق الذي يجريه مكتب المدعي العام في إسطنبول، وتم تقديمهما إلى المحكمة بتهمة التجسس السياسي والعسكري والدولي. ويشتبه في أن كليهما تربطهما صلات بخصم حماس ومحمود عباس، محمد دحلان الذي تحتضنه أبو ظبي، وهو مستشار مقرب جداً من ولي العهد الإماراتي الأمير محمد بن زايد آل نهيان. ونظراً لأن أحد الموقوفين يشتبه في أن له صلات بقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي قُتل بوحشية في 2 أكتوبر 2018 في القنصلية السعودية في إسطنبول على يد فريق اغتيال سعودي، فإن تركيا تحقق في هذا الجانب أيضاً.
وبعد أن وضعت المخابرات التركية كلّاً من المشتبه بهما تحت المراقبة الشخصية والفنية في أعقاب أنشطاتهما المشبوهة، تبين أنهما كانا يجمعان معلومات من بعض الأشخاص، مقابل المال. تم العثور على أدلة على تحويلات المالية من البنوك التي تتخذ من الإمارات العربية المتحدة مقرا لها، في أجهزة الكمبيوتر المشفرة التي استولت عليها السلطات في حجرة خفية، في ما وصفه المسؤولون الأتراك بأنه قاعدة عصابة التجسس، حسبما ذكرت المصادر. وفي حال وجود رابط بين جريمة قتل خاشقجي وجواسيس الإمارات، فسيظهر ذلك بعد تحليل الأدلة الرقمية التي جمعها ضباط الأمن الأتراك.
ومع ذلك ، فإن العلاقة المزعومة بين الاثنين ودحلان هي أكثر من كافية للاعتقاد بأنهم لم يكونا في تركيا بنوايا حسنة. دحلان، الذي كان مسؤولاً بارزاً في حركة فتح، كان قد طرد من الحركة عام 2011 بعد اتهامات بتهريب عائدات الضرائب وتهم أخرى بالفساد. ونفياً لهذه الاتهامات، ظل دحلان شخصية فعّالةً في الظّل، حيث أقام علاقات مع قادة العالم العربي. وكان على اتصال وثيق مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي أيه"، وأجهزة الأمن الإسرائيلية "الشاباك". كشفت وثيقة ويكيليكس الروابط بينه وبين تلك الأجهزة، وأظهرت ملفه الشخصي بما يؤكد أنه شخص مريب. ويعتقد الكثير من الناس اليوم أن إسرائيل خططت له منذ البداية ليكون قائدًا مستقبلياً محتملاً لقطاع غزة. لكن اليوم، يعتقد على نطاق واسع أنه ضالع في وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، الغامضة.
خلفية دحلان:
لعب دحلان دوراً في المواجهة مع حماس بعد فوزها في الانتخابات الفلسطينية عام 2006، خاصة خلال انقلاب يونيو 2007 المدعوم من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والممول من الإمارات العربية المتحدة في غزة، والذي أدى إلى نتائج عكسية وهزيمة فتح. الرئيس السابق جورج بوش، كان يسمي دحلان "رجلنا". تم ترحيله إلى الضفة الغربية، حيث كان لا يزال يُنظر إليه من قبل الإسرائيليين، على أنه كنز مهم. لكنّه فرّ عام 2010 إلى الإمارات العربية المتحدة. واليوم هو عدو محمود عباس، ومستشار الحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، الذي يدير القوات المسلحة رسمياً. دحلان، الذي كان ذات يوم رجل عرفات القوي في قطاع غزة، أصبح أحد أكثر الناس خطورة في الشرق الأوسط. كما منح بهدوء الجنسية الصربية قبل أربع سنوات بعد جلسة مغلقة لمجلس الوزراء. على الأرجح كان ذلك لأنه خدم "مصالح الدولة" الصربية، بعد استثمار مليارات الدولارات في صربيا. استخدمت الإمارات تلك الاستثمارات في تجارة الأسلحة في صربيا، لتوزيع الأسلحة في الشرق الأوسط ولتكون هذه الدولة وكيلةً لإسرائيل.
واقع الأمر، أن تعاون الإمارات مع إسرائيل يعود إلى التسعينيات. ووفقاً للتقارير المؤرشفة، بدأت العلاقة الوثيقة الأخيرة بين الإماراتيين وإسرائيل بعد أن أراد "محمد بن زايد" شراء طائرة مقاتلة، لكنه كان يشك في أن إسرائيل ستعترض. قابل "ابن زايد" القادة الإسرائيليين بمساعدة جورج دبليو بوش، وأقنع إسرائيل أنها ودول الخليج، لديهما عدو مشترك واحد هو إيران. لم تقدم اسرائيل اعتراضات على بيع الطائرات المقاتلة الامريكية الى الامارات بعد ذلك، حسبما ذكرت التقارير. بالطبع، ينكر كلا الطرفين تلك الاجتماعات. ومع ذلك، فإن العلاقات بين البلدين أصبحت أكثر وضوحا في العامين الماضيين. ليس فقط مؤسسات الفكر الموالية لإسرائيل التي تمولها وتدعمها الإمارات، بل أيضاً الاتصالات الدبلوماسية والعسكرية والإقليمية بين البلدين ازدادت عاماً بعد عام. يمكننا القول إن هناك ثقة بين إسرائيل والإمارات. الدولتان تسيران نحو نفس الهدف، وهذا الهدف لا يتعلق فقط بإيران.
سياسة الإمارات تجاه إيران:
بصراحة، أنا أشك في أن الإمارات العربية المتحدة تعتبر إيران العدو الأكبر. فلنتذكر أن دول الخليج دعمت حراك المعارضة في سوريا ضد بشار الأسد، الذي كانت تدعمه إيران منذ بداية الحرب الأهلية. أنيسة مخلوف، والدة الأسد، غادرت البلد الذي مزقته الحرب عام 2013 وانضمت إلى ابنتها في دبي حتى وفاتها. كان زوج ابنتها بشرى نائباً لرئيس أركان الجيش، حتى قُتل في هجوم على مقر الأمن القومي بدمشق في يوليو 2013، وسجلت أطفالها في مدرسة خاصة في دبي. بالإضافة إلى ذلك، فرَّ عدد كبير من رجال الأعمال والسوريين الأثرياء، الذين تربطهم علاقات وثيقة بالنظام الذي سفك الدماء في سوريا، إلى دبي. قد تقول إن هذا يتعلق بسوريا وليس إيران. ومع ذلك، فإن البنوك الإماراتية بما في ذلك تلك المملوكة للدولة، حوّلت مليارات الدولارات من مبيعات النفط الإيراني من خلال حساباتها، خلال فترة العقوبات قبل الصفقة النووية الإيرانية. بالإضافة إلى ذلك، كانت إيران دائماً الوجهة الأولى لدولة الإمارات العربية المتحدة، لإعادة التصدير، أو إدخال البضائع المستوردة إلى الإمارات العربية المتحدة ثم بيعها إلى إيران.
منذ وضع "ابن زايد" ولي العهد السعودي القوي الأمير محمد بن سلمان في جيبه بعد وفاة الملك عبد الله، تغيرت سياسة المملكة العربية السعودية، تجاه سوريا. في حين بدأت العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل تنضج. وفقًا لولي العهد الإماراتي وربيبه السعودي، فإن القضية الفلسطينية هي مشكلة تقف في طريق توثيق العلاقات مع إسرائيل من أجل إقامة نظام جديد في الشرق الأوسط. لهذا السبب يعملان جاهدَين لتحقيق ما يسمى بـ "صفقة القرن" بين إسرائيل والفلسطينيين.
وفقاً لمسؤولين أمريكيين، قال ابن سلمان عدة مرات: "إسرائيل لم تهاجمنا أبداً، ونحن نتقاسم معها عدواً مشتركاً"، في إشارة إلى إيران، مكرراً كلمات ابن زايد الوهمية. ومع ذلك، فإنه يتقاسم مع إسرائيل في الواقع، بعض الأعداء الآخرين. فمن رسائل البريد الإلكتروني المسربة للسفير الإماراتي يوسف العتيبة مع مدراء وخبراء رفيعي المستوى في مركز الأبحاث الموالي لإسرائيل، مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وبالتوازي مع ما يحدث في الشارع العربي، من السهل أن نفهم أن المشكلة المشتركة لإسرائيل والإمارات العربية المتحدة ليست إيران فقط، بل تركيا وقطر والإخوان المسلمين وغيرهم ممن لا يعتبرون الإخوان عدواً. من ليبيا إلى سوريا أو العراق أو اليمن، يهمس عامة الناس بصمت باسم "الإمارات" التي يلومها الجميع، بوصفها المسؤولة عن كل ما حدث في تلك البلدان بعد الربيع العربي. يمكنك أن ترى الخوف في عيونهم عندما يتحدثون عن ابن زايد أو دحلان وتفهم أنهم يخشون دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر من إسرائيل. وفقاً للعديد من الأشخاص الذين تحدثتُ إليهم في تلك البلدان، عقد دحلان صفقات مع الأنظمة القديمة، التي تم الإطاحة بها خلال الانتفاضات، لإسقاط الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة مثل داعش أو جبهة النصرة. وبإلقائها اللوم على تركيا وقطر في انتشار الإرهاب في المنطقة، نجحت دولة الإمارات العربية المتحدة نسبيا في خداع العالم بأسره بينما حاولت التخلص من الإسلاميين مستخدمة الجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة كأداة لذلك وبتمويلهم.
العلاقات التركية الإماراتية:
كانت العلاقات الإماراتية التركية دائماً متباعدة بعض الشيء، لكن الإمارات العربية المتحدة عززت بشكل صارخ من جهودها المناهضة لتركيا وليس فقط حرب الكلمات. ومن أحداث حديقة غيزي عام 2013، والتي تم تصويرها على أنها "الربيع التركي"، حتى محاولة الانقلاب التي قامت بها جماعة غولن الإرهابية، في 15 يوليو 2016، تعرّفت السلطات التركية على آثار محمد دحلان، مستشار ابن زايد. وقد موّلت الإمارات مجموعات مناهضة للرئيس رجب طيب أردوغان، بما في ذلك "بي كا كا" الإرهابي، وفقاً للتقارير. كان وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو يشير إلى دولة الإمارات العربية المتحدة عندما قال بعد محاولة الانقلاب الفاشلة: "نحن نعلم أن دولةً قدمت 3 مليارات دولار في شكل دعم مالي لمحاولة الانقلاب في تركيا". والواقع أن بعض وسائل الإعلام التي تتخذ من الإمارات العربية المتحدة مقراً لها أعلنت دعمها للانقلاب.
عندما تنظر إلى النزاعات والأزمات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فمن الواضح أن البلدين يقفان على جانبين متناقضين تماماً. بدأت الفجوة بين تركيا والإمارات تتسع مع الإطاحة بأول رئيس منتخب ديمقراطياً لمصر، محمد مرسي، واستمرت في سوريا. في شمال إفريقيا، على سبيل المثال، في ليبيا، أنشأت الإمارات العربية المتحدة محوراً مصرياً إماراتياً ضد المحور التركي القطري بدعمها الجنرال خليفة حفتر، وبدأت حرباً أهليةً بعد الإطاحة بمعمر القذافي. من الصومال إلى ميناء "سواكن" السوداني على البحر الأحمر، يكاد يكون من المستحيل إغفال جهود الإمارات العربية المتحدة لمنع نفوذ أنقرة. ربما ترى الإمارات العربية المتحدة تركيا كمنافس لها، أو أكثر من ذلك، دولة قوية مع زعيم قوي يمكنه أن يفسد خطط النظام الإقليمي الجديد مع إسرائيل.
وإني أتساءل أحياناً ما إذا كانت دولة الإمارات العربية المتحدة هي التي تسببت في سوء العلاقات بين إدارة باراك أوباما وأنقرة تماماً مثلما تحاول تدمير العلاقات بين أنقرة والرياض. من هذا القبيل، فدولة الإمارات العربية المتحدة بهذا السلوك، تقود الرهاب من الإسلام "الإسلاموفوبيا"، وتحمل لواءه في العالم من خلال التسبب في خلافات بين الدول الإسلامية. لكن من الواضح أن محمد بن زايد لا يهتم بهذا على الإطلاق.
بعد أن ألقت تركيا القبض على اثنين من الجواسيس المرتبطين بدحلان الأسبوع الماضي، قدم المطبّلون في الإمارات المشهد على وسائل التواصل الاجتماعي، بمزاعم أن تركيا تعتقل مواطنين خليجيين، لكن أحداً لم يشترِ تلك الرواية.
ومع ذلك، لا أحد يعرف مصير رجل الأعمال التركي محمد علي أوزتورك، الذي تم اعتقاله ووضعه في السجن في دبي أثناء حضوره معرضاً لتجارة المواد الغذائية في فبراير 2018. ورغم أن السلطات التركية تتابع عن كثب هذه القضية، لكنهم لم يتمكنوا وكذلك عائلته من الحصول على إجابة حقيقية بشأن حالته على مدى عدة أشهر. لم تسمح الإمارات لموظفي السفارة التركية برؤيته. ويشتهر "أوزتورك" بجهوده في تقديم المساعدات الإنسانية للتركمان السوريين والعراقيين، حيث كان رئيساً لجمعية المعونة التركمانية "باير بوجاق".
في غضون أشهر، اتهم الرجل بمساعدة السوريين. كما تم اتهامه بدعم أحرار الشام وجبهة النصرة، وهي اتهامات لا أساس لها من الصحة ومحض افتراء.
في 25 ديسمبر 2018، حكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفقاً للمحامين الذين تقدموا باستئناف، تم تعذيب أوزتورك حتى يتحدث ضد أردوغان وتركيا وقطر أمام الكاميرات، وللاعتراف بعلاقتهم المزعومة بجبهة النصرة. وسيتم اتخاذ القرار الأخير بشأن مصير "أوزتورك" في 29 أبريل. كما يمكننا أن نفهم مما حدث لـ "أوزتورك"، لم تعد الإمارات مكاناً آمناً للمواطنين الأتراك. ويتعين على تركيا أن تتابع عن كثب مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة المشبوهين، مثل عصابة التجسس التي تم القبض عليها الأسبوع الماضي، للحفاظ على بلدنا بخير وأمان.