ليعلم الأصدقاء الأعزاء في العواصم الغربية أن علاقات تركيا الجيدة مع روسيا لا تتعلق بتحول المحور، بل بتجاهل الأوربيين جدية مخاوفها الأمنية.
ناقشت تركيا وروسيا في اجتماع سوتشي الأخير بين الرئيس رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تطوير التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية. ومن أهم نتائج القمة اتفاقية التجارة بالروبل بين البلدين. وبعد الاجتماع مباشرة، ظهرت بعض التعليقات في الصحافة الغربية حول التقارب التركي الروسي. وجاء في تقرير في الفاينانشيال تايمز على سبيل المثال، أن العواصم الغربية بدأت تقلق من التقارب وأن تركيا قد تواجه إجراءات عقابية إذا ساعدت روسيا على التهرب من العقوبات. وهذا الأمر مألوف جداً في عالم يسوده جنون العظمة.
فمن حين لآخر، يدور جدل حول ما إذا كانت "تركيا ستشهد تحولاً في المحور". وبالرغم من كل الشائعات، فإن محور تركيا المتجه نحو الغرب منذ قرن مضى، مع ما يلقاه من معارضة في كل القضايا من الغرب نفسه منذ ذلك الحين، لم يتغير. بل إن نهج الاتحاد الأوروبي غير المتسق تجاه عملية انضمام تركيا صار واضحاً للجميع. ومع ذلك، فإن أنقرة تصر على اختيارها إلى الآن.
الأمن هو السبب الرئيسي للتقارب التركي الروسي
فتعميق العلاقات بين تركيا وروسيا بقيادة أردوغان في السنوات القليلة الماضية كان اختيار الكتلة الغربية التي شكلها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وإلا فمن المسؤول عن تحول تركيا إلى بديل الـ إس-400؟ وما هي الدول التي توفر الملاجئ لمئات الإرهابيين ابتداءً بزعيم جماعة غولن الدموية، الذي قاد محاولة انقلاب عسكري فاشلة في تركيا وقتل 252 شخصاً؟ وما هي الدول التي تمنح هؤلاء القتلة تصاريح الإقامة والعمل رغم قرارات القضاء التركي المدمجة في النظام القانوني الأوروبي؟ بل ما هي الدول التي تقدم السلاح صراحة لإمداد تنظيم بي كي كي الإرهابي المسؤول عن مقتل حوالي 40 ألف شخص؟
ومن الممكن طرح المزيد والمزيد من الأسئلة، لكن الجواب ليس روسيا أبداً. لذلك من الطبيعي والمنطقي أن تبحث تركيا عن بدائل وتقترب من جارتها روسيا في مواجهة "الخيانات" التي تواجهها من الغرب الذي تعتبره حليفاً لها. واليوم نجد أن العديد من دول الاتحاد الأوروبي وخاصة ألمانيا، تحاول التصالح مع روسيا من أجل قضاء فصل الشتاء الوشيك دون مشاكل الغاز الطبيعي. حتى أنهم وافقوا على البيع بالروبل. فلماذا يتسبب نهج تركيا بالذات في حدوث مثل هذه الجلبة وفتح نقاش حول العقوبات؟ علاوة على ذلك، لم يكن بالإمكان بدون التقارب التركي الروسي الذي يعتبره الغرب خطيراً، وجود أي جسر بين أوكرانيا وروسيا وخصوصاً تنفيذ مشاريع مثل "ممر الحبوب" الذي يعتبر شريان الحياة للفقراء.
تركيا بلد مستقل وقد وصلت حكومتها الشرعية إلى السلطة بانتخابات حرة وعامة، وهي ليست مضطرة للحصول على إذن من دول أخرى عند اتخاذ خطوات توافق القانون والاتفاقيات الدولية في ضوء مصالحها الوطنية.
ولكن هل انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي كفيل بإبطال مزاعم "تحول المحور"؟
إذا أراد الاتحاد الأوروبي أن تتصرف تركيا بما يتفق بدقة مع سياساته الرسمية، فالحل واضح. وهو يتمثل بشكل كامل وحصري بقضية العضوية. وقد منحت الكتلة في غضون سنوات قليلة، العضوية لدول أوروبا الشرقية التي لم تقترب حتى من معايير كوبنهاغن أو ماستريخت. وتحاول الكتلة حالياً جعل أوكرانيا عضواً بالرغم من مطلب "أنه يتعين على جميع الدول المرشحة حل نزاعاتها الحدودية فيما بينها ومع دول ثالثة قبل أن تنضم إلى الكتلة". فإذا وافق الاتحاد الأوروبي على عضوية تركيا، التي توقفت منذ أكثر من نصف قرن، فلن يكون هناك تناقض أو مناقشة.
وختاماً، نصيحتي إلى زملائي في الفاينانشيال تايمز، الذين يركزون على "العقوبات" ضد تركيا، أنه ينبغي عليهم البحث في كيفية تأثير العقوبات المفروضة على روسيا بطريقة عكسية بدأت تقود أوروبا والولايات المتحدة للخسران، مع يقيني بأنهم لا يستطيعون فعل ذلك لأن رؤسائهم لا يسمحون لهم. لكن على الأقل قد تساعدهم محاولتهم على فهم طبيعة النار التي يلعبون بها.
وأقول لهم بوضوح: إن تأجيج الحرب والصراع ليس من الصحافة في شيء يا أصدقائي.