أصدر ما مجموعه 102 نائباً في فرنسا مؤخراً، بياناً مشتركا يعارض العملية التركية المحتملة شمال شرق سوريا.
وزعم البرلمانيون الفرنسيون أن الحكومة التركية تحاول الحصول على موافقة الناتو على تكثيف الهجمات شمال سوريا، من خلال الاستفادة من دورها المركزي في التحالف وسط الحرب الأوكرانية، قائلين:"إن تصميم المقاتلين الأكراد في القتال ضد داعش مرحب به من قبل المجتمع الدولي بأسره، لكنه على ما يبدو أصبح منسياً اليوم. ولا يمكننا بل يجب ألا نسمح بالهجوم على حلفائنا الأكراد مرة أخرى".
إن ما يسمى بـ "المقاتلين الأكراد" المذكورين أعلاه هو تحالف يسمى "قسد" تهيمن عليه ميليشيات واي بي جي/بي كي كي الإرهابية.
وأصبحت "قسد" شريان حياة للتنظيم الإرهابي بعدما تم الكشف عن ارتكاب حزب الاتحاد الديمقراطي وهو الذراع السياسي لتنظيم بي كي كي المدرج في قائمة الاتحاد الأوروبي للمنظمات الإرهابية عام 2001، جرائم خطيرة بما في ذلك استخدام المقاتلين الأطفال وتهريب المخدرات وغسيل الأموال والابتزاز وقتل المدنيين.
وتواصل المنظمة الإرهابية "أنشطتها ضد الإنسانية" التي تم توثيقها في تقارير العديد من المنظمات العالمية المرموقة مثل منظمة العفو الدولية، من خلال "قسد" التي تسيطر عليها.
وقد جمعت الحكومة التركية ملفاً مليئاً بالأدلة القانونية التي تظهر أن إرهابيي بي كي كي المرتبطين بحزب الاتحاد الديمقراطي يسيطرون على "قسد" وأن واي بي جي هو الجناح العسكري لهذه القوات، وقدمته إلى الاتحاد الأوروبي وفرنسا وأخيراً الدول الأعضاء في الناتو في قمة مدريد.
ولم تكن هناك اعتراضات جدية على حجج تركيا بشأن التنظيم الإرهابي، الذي يتواجد في عواصم أوروبية ودول إقليمية حيث يرتكب جرائم مماثلة.
أما دول مثل فرنسا والولايات المتحدة، فقد أصدرت بيانات تبرر دعمها العسكري والسياسي لـ بي كي كي والمنتمين إليه بحجة "أنهم يقاتلون داعش".
ومع استمرار أنشطته تحت أسماء مختلفة، لم يحقق بي كي كي أي نتائج مهمة باسم محاربة داعش. وبالرغم من أنه ينخرط في صراعات صغيرة النطاق مع داعش التي فقدت تأثيرها من وقت لآخر، إلا أنه عادة ما يتعاون معها فيما يتعلق بالقوة العسكرية والاقتصاد.
وكانت تركيا الدولة التي نفذ فيها داعش أول عمل إرهابي له، هي أيضاً أول دولة تضرب التنظيم الإرهابي حيث خسرت المئات من جنودها ومدنييها في هجماته الدموية.
ولا تزال البلاد الوحيدة التي تخوض معركة عسكرية ضد إرهاب داعش بالإضافة إلى امتدادات ميليشيات بي كي كي، كما أنشأت ملاجئ ومستوطنات إنسانية للمدنيين السوريين في المنطقة المستقلة حيث يمكن أن تعود الحياة اليومية إلى طبيعتها، ويتم توفير الخدمات التعليمية والصحية وينتعش الاقتصاد وإن كان على نطاق ضيق، في مقابل ضمان انخفاض عدد اللاجئين المتجهين إلى أوروبا عبر تركيا بشكل كبير ومنع موجات الهجرة الجديدة.
ومع ذلك، كثيراً ما تتعرض المستوطنات المدنية لهجمات إرهابية من قبل الهياكل التابعة لـ بي كي كي وداعش، والتي يصفها البرلمانيون الفرنسيون بأنهم "مقاتلون علمانيون من أجل الحرية" بينما هم في الواقع يقومون بذبح المدنيين.
وما الهدف من العمليات العسكرية التركية التي يسميها البرلمانيون الفرنسيون "هجوماً" ويريدون إيقافها، سوى تحييد هذه المنظمات الإرهابية.
لكن فرنسا حليفة تركيا في الناتو والشريك في الاتحاد الأوروبي، جعلت من سياسة الدولة الرسمية راعية لعصابة القتلة هذه منذ عهد الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران. وقد استضاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هؤلاء القادة الإرهابيين مؤخراً في قصر الإليزيه.
فمتى يدرك السياسيون الفرنسيون أن سياسة الإرهاب هذه تضر بالشعب التركي وشعوب المنطقة والشعب الفرنسي؟
ألا يرون أن الهجمات الإرهابية في فرنسا في السنوات الأخيرة سببها تورطهم في الصراع على الهيمنة بين داعش وتنظيم بي كي كي المشؤوم؟
ولنفترض أنهم ليسوا على علم.
لكن ماذا عن حلفاء تركيا الفرنسيين الذين يعانون من الإرهاب بقدر ما تعانيه تركيا ويتقاسمون نفس الألم؟
متى سيكسرون الصمت ويقولون توقفوا للسياسيين الذين يرون أنه من "العقلاني" التعاون أحياناً مع الملالي في إيران وروسيا والإرهابيين الذين يخدمون نظام بشار الأسد في سوريا، بينما حليفتهم الجمهورية التركية تصاب بهجمات من جميع العناصر الإرهابية بأوقات عصيبة، سواء من بي كي كي وواي بي جي وقسد وداعش؟
من الواضح أنهم لا يفكرون بنا ولا في المدنيين شمال سوريا، لكن ألا يهتمون بحياتهم وسلمهم وأمنهم أيضاً؟
