كشفت الحرب الروسية الأوكرانية عن أهمية تركيا في السياسة العالمية مرة أخرى، فهل لا تزال الكتلة الغربية عمياء عن أهمية دور أنقرة وثقلها السياسي والدبلوماسي!
منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، التقى الرئيس رجب طيب أردوغان بقادة 35 دولة بما في ذلك رئيس الوزراء الهولندي مارك روته مؤخراً. وتمكنت الدبلوماسية التركية البارعة من جمع وزيري خارجية أوكرانيا وروسيا للمرة الأولى لإجراء مفاوضات بينهما من خلال لقاء عقد في أنطاليا.
في غضون ذلك، حضر أردوغان القمة الاستثنائية لقادة الناتو في بروكسل. ومن المتوقع من حلف شمال الأطلسي والكتلة الغربية الاعتراف بأهمية تركيا وجهودها الداعمة للحلف، والتي اتضحت وتعمق فهمها أكثر مع الأزمة الأوكرانية، ما يستوجب من الولايات المتحدة بشكل خاص ومن بعض الدول الأوروبية أيضاً الاعتراف بدور أنقرة وثقلها السياسي والدبلوماسي وبالتالي إعادة النظر في بعض القرارات الخاطئة.
سياسة الغرب غير عادلة
من المعروف أن الكتلة الغربية تعاملت لفترة من الوقت مع تركيا كعدو تقريباً، بينما تمتلك البلاد ثاني أكبر جيش في الناتو وتحرس الحدود الجنوبية الشرقية، وهي واحدة من أخطر نقاط الاتفاقية بين روسيا والغرب بعد انتهاء الحرب الباردة. ومع ذلك ترك الغرب أنقرة بمفردها اقتصادياً وسياسياً وهي كالسد تحجب عنهم ملايين الأشخاص الذين يحاولون التدفق إلى أوروبا من آسيا والشرق الأوسط.
ولم يكتفوا بذلك بل اتخذوا إجراءات علنية لزعزعة استقرار تركيا. وعلاوة على ذلك، استهدفت الكتلة الغربية الممثلين السياسيين المنتخبين ديمقراطياً في تركيا بتصريحات معادية وحاولت التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد وقدمت الدعم إلى جماعة غولن الإرهابية وتنظيم بي كا كا الدموي وفروعه وفرضت على البلاد عمليات حظر وعقوبات متنوعة. وبالرغم من المعايير المزدوجة للتكتل الغربي لسنوات، ظلت تركيا قادرة على الحفاظ على نهجها الإيجابي في عضوية الاتحاد الأوروبي وفضلت الوفاء والالتزام بمعايير الكتلة في الوقت الذي بذل الاتحاد الأوروبي قصارى جهده لدفع البلاد نحو محاور أخرى.
ومع ذلك، يبدو أن الوضع الآن بدأ يتغير إذ توقف بعض السياسيين الأوروبيين والأمريكيين عن نهجهم الاستشراقي في السياسة الداخلية للبلاد، وراحوا يدلون بتصريحات تنسب الفضل إلى تركيا وأردوغان.
وتعتبر الأخبار الأخيرة في وسائل الإعلام الدولية التي تفيد بأن تركيا قد ترسل أنظمة دفاع جوي صاروخية روسية الصنع من طراز إس-400 إلى أوكرانيا، مؤشراً آخر على أن الأجواء قد تتغير. ففي الأخبار التي نشرتها رويترز ونيويورك تايمز، زُعم أن مسؤولين أمريكيين حاولوا نقل صواريخ إس -400 التركية إلى أوكرانيا. ووفقاً للأنباء، قد يتم إعادة قبول تركيا في برنامج إف-35 مقابل هذه الخطوة.
كما طرحت القضية أيضاً في المؤتمر الصحفي للمتحدث باسم البنتاغون جون كيربي في 21 مارس/آذار عندما سُئل عما إذا كانت الولايات المتحدة قد ناقشت مسألة إرسال نظام إس-400 إلى أوكرانيا مع تركيا، ولم ينف تلك المزاعم وقال إنه لا يستطيع تقديم تفاصيل، مضيفاً أن الولايات المتحدة تجري مفاوضات نشطة مع بعض الدول بشأن نماذج دفاعية، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي بعيدة المدى التي يمكن للجيش الأوكراني استخدامها بسهولة.
ومن المفارقات أن واشنطن هي من قالت بشكل تعسفي "لا" لطلب أنقرة العضوة في حلف شمال الأطلسي، عندما أرادت أن تحمي مجالها الجوي بصواريخ باتريوت، وتناسى الأمريكيون أنهم انتهكوا القانون الدولي وأخرجوا تركيا من برنامج إف-35 وطبقوا عقوبات قانون مكافحة أعداء أمريكا ضد البلاد بعد أن قررت شراء منظومة صواريخ إس-400 لتلبية احتياجاتها.
ومن المرجح أن يزيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي ذكّر الجميع بقدرته النووية مرة أخرى في 22 مارس/آذار، من وجوده في المنطقة الذي رسمها الناتو في أوروبا الشرقية بعد حرب أوكرانيا. لأن بوتين رأى بوضوح كيف أن الكتلة الغربية تعمل بمعايير مزدوجة ومتناقضة في كثير من الأحيان وهي اتحاد غير منظم.
وفي هذه الحالة، ستزداد الأهمية الاستراتيجية لتركيا القوية التي تقف كحاملة طائرات مجهزة وسط البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط. كما أن هيمنة أنقرة على خطوط نقل الطاقة في المضائق التي تربط روسيا بالبحار الدافئة تستحق إعطاءها كل الأهمية وعدم الاستهانة بقدراتها.
وختاماً، فإن بصيرة المنظمات العملاقة المسؤولة عن أمن ورفاهية ملايين الأوروبيين والأمريكيين، وإدارتها من قبل السياسيين على هذا المستوى تشكل تهديداً كبيراً للسلام العالمي. وتبقى الآمال معقودةً أن تسفر القمة في بروكسل عن قرارات مهمة وملموسة بشأن تعاون الناتو والاتحاد الأوروبي مع تركيا.