تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية شبه كاملة تقريباً عن تأجيج النار في التوتر بين أوكرانيا وروسيا، بما تبثه وسائل الإعلام الأمريكية وبما يقوم به فريق بايدن.
فالولايات المتحدة لا تزال تصدر تحذيرات متكررة من غزو روسي لأوكرانيا، وصرح جين بساكي المتحدث باسم البيت الأبيض عدة مرات أن الغزو الروسي "وشيك"، بينما قال جيك سوليفان مستشار الأمن القومي، إنه قد يحدث في أي لحظة. حتى أن البعض أعلنوا باليوم والساعة عن التوقيت المحدد للهجوم. وعلى سبيل المثال، تم إعلان 16 فبراير/شباط من قبل البعض على أنه "تاريخ الحرب". والآن بات دعاة الحرب أنفسهم مشغولين باختلاق الأعذار لتوقعاتهم الفاشلة.
وعندما جئت إلى أوكرانيا لمتابعة برنامج الرئيس رجب طيب أردوغان في بداية شهر فبراير/شباط، لاحظت أنه لا يوجد أي أثر للتوتر في شوارع كييف، وأن وسائل الإعلام الغربية الداعية للحرب تتعمد تأجيج الأزمة.
فلماذا تعمد الولايات المتحدة إلى تأجيج النار؟
يعود سبب التعليقات الاستفزازية التي يتم تداولها في وسائل الإعلام الأمريكية، كما قال بعض المعلقين لشبكة CNN أن الولايات المتحدة تعلمت بعض الدروس الهامة بعد ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، وأن الروس يهدفون إلى مطاردة الجواسيس المزروعين بينهم من خلال إبلاغ العامة باستمرار عن الأنشطة العسكرية.
ويمكن القول إن التحذيرات التي أصدرتها الولايات المتحدة بشأن الغزو، وخاصة في الأجهزة الإعلامية للديمقراطيين، تهدف أيضاً إلى إنقاذ الإدارة السياسية غير الفعالة للرئيس الأمريكي جو بايدن على نحو متزايد، بعد أن وصلت شعبية بايدن الذي فاز على دونالد ترامب إلى الحضيض العام الماضي. كما أن الوعد بأن الولايات المتحدة "ستنهي الوباء" الذي يُنظر إليه على أنه سبب الأزمة المالية، لم يتحقق على ما يبدو. لذلك يأمل بايدن أن يحتضن الأمريكيون حكومته الحالية بينما يحاول جمع ناخبيه معاً في مثل هذا المناخ من التوتر والحرب.
وهناك مصدر قلق آخر للولايات المتحدة هو مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي نورد ستريم 2، الذي ينقل الغاز الطبيعي الروسي من الشمال إلى ألمانيا. فالولايات المتحدة منزعجة أيضاً من أن ألمانيا وهي دولة رئيسية في الاتحاد الأوروبي إلى جانب فرنسا، لا يمكنها بسهولة مواجهة روسيا. وصرح بايدن بعد توليه منصبه إنه يمكن معاقبة الشركات التي تقف وراء هذا المشروع.
ووفقاً للبيت الأبيض، فإن المشروع "صفقة سيئة لأوروبا". وفي حالة التعاون بين روسيا وألمانيا في مثل هذه اللحظة الحرجة للعالم فيما يتعلق بمخاوف الطاقة، ستفقد الولايات المتحدة قوتها العظمى في المعادلة العالمية.
أما بالنسبة للجانب الروسي، فإن الاحتجاجات التي اندلعت في كازاخستان الشهر الماضي كانت بمثابة إسقاط لنموذج معين. فالكرملين دأب لفترة طويلة على ادعاء أن الولايات المتحدة كانت اليد السرية وراء انتفاضة الميدان الأوروبي في أوكرانيا بين عامي 2013 و2014، والتي أطاحت بالزعيم الموالي لروسيا آنذاك. بالإضافة إلى ذلك، فإن التطورات التي حدثت في هونغ كونغ في عام 2019 وانتهت بإحداث ضغط كبير على بكين كانت كافية لتوحيد الصين وروسيا حول نفس المصلحة ضد الولايات المتحدة.
لدرجة أن روسيا والصين تؤمنان أن النظام العالمي الحالي أحادي القطب، هو من يمنح الولايات المتحدة قوة مفرطة. ومن ناحية أخرى، يبعث الكرملين للعالم عبر هذه الأزمة برسالة مفادها "أنا أدافع عن نفسي" من خلال التعبئة العسكرية على الحدود، وذلك بسبب الدرس الذي تعلمه من قضية القرم ويستشهد بالمادة 5 من قانون الناتو المتعلقة بالدفاع المشترك كمبرر. وكما هو معروف، فإن الولايات المتحدة غزت أفغانستان بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول الإرهابية، بناءً على هذا المبرر.
وختاماً فإنه بالرغم من أن وسائل الإعلام الروسية تفسر الأحداث على أنها "هستيريا احتلال الغرب"، إلا أن الولايات المتحدة تنوي الحفاظ على موقفها باستخدام أوكرانيا كأداة، بينما يتطور النظام العالمي الحالي مع جائحة كوفيد-19، إلى نظام عالمي جديد.