في قلب مدينة نيويورك ، قام إيلون ماسك، أحد أكثر الشخصيات شهرة في العالم، يوم الأحد بزيارة إلى البيت التركي Türkevi، وهو ناطحة سحاب بارتفاع 561 قدمًا من 36 طابقًا وتقع على بعد خطوات فقط من مقر الأمم المتحدة ينيويورك. التقى ماسك، برفقة ابنه إكس، بالرئيس رجب طيب أردوغان لاستكشاف إمكانات الاستثمارات في تركيا والتعاون التكنولوجي. وعندما غادر ماسك المبنى، شوهد وهو يحمل كتابًا يحمل صورة أردوغان على غلافه.
فما أهمية هذا الكتاب، وما الرسالة التي يحملها؟
في التاسع والعشرين من يناير/كانون الثاني 2009، شهد العالم لحظة رائعة في التاريخ السياسي العالمي، يشار إليها عموماً بحادثة "الدقيقة الواحدة" حين قاطع رئيس الوزراء آنذاك والرئيس الحالي أردوغان، في منتدى دافوس، مدير الحوار، وكاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست، ديفيد إغناتيوس، بالكلمات: "دقيقة واحدة... دقيقة واحدة... دقيقة واحدة"، مطالبًا بإتاحة الفرصة له للرد على الرئيس الإسرائيلي الراحل شمعون بيريز.
كان هذا العمل الجريء احتجاجا قويا على العدوان الإسرائيلي والظلم واستهداف الفلسطينيين في غزة، ويرمز إلى التحدي الذي يواجهه النظام الدولي الذي كثيراً ما يفشل في محاسبة المعتدين حتى على أبسط انتهاكات حقوق الإنسان.
بالطريقة نفسها، أصبح شعار "العالم أكبر من خمسة"، الذي أطلقه أردوغان لأول مرة عام 2013، موقفاً مشهوراً يقف ضد البنية غير العادلة للنظام الدولي، وعلى وجه التحديد كيف أنشأت الأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها وكيف أنه يخدم فقط اللعبة والمصالح الفردية للدول "الأقوى".
وقد أعرب أردوغان مرارًا وتكرارًا عن نفس الشعار "أكبر من خمسة"، في إشارة إلى الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في خطاباته في الجمعية العامة للأمم المتحدة أو غيرها من المنابر الدولية.
في الجلسة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء، انتقد أردوغان مرة أخرى الوضع الراهن وعدم كفاءة الحوكمة العالمية الحالية والأمم المتحدة نفسها. وقد تناول في خطابه مجموعة واسعة من الصراعات والقضايا العالمية، من سوريا إلى فلسطين، ومن التطورات في النيجر إلى الحرب الأوكرانية الروسية، ومن موقف الأمم المتحدة المحايد حول قضية قبرص إلى التوترات في البلقان وجنوب القوقاز، ومن الموارد العالمية وعدم المساواة في مواجهة تغير المناخ. مع ذلك، يظل السؤال الأساسي قائما: هل تستطيع المؤسسات متعددة الأطراف معالجة هذه التحديات العالمية بفعالية، أم أن نظام الإدارة العالمية الحالي قاصر؟
هذا هو بالضبط المكان الذي يأت فيه دور كتاب "عالم أكثر عدلاً ممكنًا" الذي نشرته شركة كتاب تركواز Turkuvaz Kitap، والذي شوهد ماسك يحمله.
ويقترح الكتاب، المترجم أيضًا إلى اللغتين العربية والفرنسية، رؤية لنظام دولي قادر على مواجهة التحديات العالمية المعاصرة.
"العالم أكبر من 5"
من جانبه، قال أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، في أكبر تجمع دبلوماسي في العالم: "إن الحوكمة العالمية عالقة في الزمن. لا تنظر إلى أبعد من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ونظام بريتون وودز الذي وقع سنة 1944 . إنهما يعكسان الحقائق السياسية والاقتصادية لتلك الحقبة".
وقال غوتيريش في انتقاده للأمم المتحدة: "لقد تغير العالم. ومؤسساتنا لم تتغير. ولا يمكننا أن نعالج المشاكل بشكل فعال كما هي إذا كانت المؤسسات لا تعكس العالم كما هو". وأضاف: "بديل الإصلاح هو مزيد من التشرذم، إما الإصلاح أو التمزق".
وهذا هو ما يردده أردوغان برفعه شعار "العالم أكبر من خمسة" كما هو موضح في الكتاب.
يشتمل الكتاب على قسمين رئيسيين بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة. يتطرق القسم الأول إلى المعضلات السياسية العالمية والظلم والمعايير المزدوجة والحوكمة العالمية، ويتناول الأزمات المعاصرة مثل الهجرة والإرهاب وكراهية الإسلام. كما أنه ينتقد وظيفة وفعالية وإدارة الأمم المتحدة كهيئة دولية، مما يثير تساؤلات حول قدرتها على تمثيل جميع الدول الأعضاء.
وبناءً على القضايا التي تم تناولها في القسم الأول، يأتي الجزء الثاني من الكتاب ليحدد رؤية لحل هذه التحديات من خلال هيكل الأمم المتحدة بعد إصلاحه. ويقترح إصلاحات لتلبية الاحتياجات الملحة للعالم الحديث، لا سيما إلغاء حق النقض الذي تتمتع به الدول الخمس الدائمة العضوية، وزيادة عدد أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى 20، واختيار أعضاء مجلس الأمن من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإنشاء مجلس ذي نظام تناوبي. وفي هذا الهيكل المقترح، ستلعب الجمعية العامة للأمم المتحدة دورًا تشريعيًا، في حين سيكون مجلس الأمن التابع لها هو السلطة التنفيذية للمنظمة.
الحجة الأساسية للكتاب
تتلخص الحجة الأساسية التي يسوقها الكتاب في أن الأمم المتحدة تستطيع فقط من خلال مثل هذه الإصلاحات أن تخدم بشكل فعال مصالح كافة الدول الأعضاء فيها، وليس فقط الدول "القوية"، وأن تعمل على تعزيز الحياد والاستجابة السريعة للأزمات الدولية. وهي تدعو إلى إنشاء هيكل عادل وتمثيلي وشفاف وخاضع للمساءلة ووقائي.
وشدد أردوغان على هذه النقطة في خطابه الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مشيراً إلى أن مجلس الأمن الدولي بدون ممثل من العالم الإسلامي الذي يبلغ تعداده ملياري نسمة أو من أفريقيا، وهي قارة يبلغ عدد سكانها 1.2 مليار نسمة، لا يمكن أن يمثل العالم الجديد حقاً.
لقد شهدت السياسة العالمية والنظام الدولي العديد من التغييرات الهيكلية، من اتفاقية وستفاليا للسلام إلى تأسيس الأمم المتحدة، ومن اتفاقية سايكس بيكو نهاية الحرب العالمية الأولى إلى النظام العالمي بعد أحداث 11 سبتمبر. واليوم، نجد أنفسنا في عالم متعدد الأقطاب، ولم تعد النظرة العالمية المتمحورة حول الغرب كافية.
هناك جملة تلخص اقتراح أردوغان: "إن التفاهم الذي لا يقدر الناس لمجرد أنهم بشر، لا يمكن أن يضمن الأمن والسلام العالميين. وكيف نمنع تصحر الأرض في عالم تصحرت فيه الضمائر. علينا أولاً أن نثري ضمائرنا بالعدالة واحترام الآخر والسلام والرحمة".
وقد تردد صدى هذه الفكرة أيضًا في خطاب أردوغان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث قال: "لم يعد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضامنًا للأمن العالمي، ولكنه أصبح ساحة صراع بين الأعضاء الخمسة الدائمين".
والواقع أن الإصلاح الفعال مطلوب. وسواء تناولت المشاكل الإنسانية أو الأمنية في سوريا، أو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أو الاجتياح الروسي لأوكرانيا، أو الأمن الغذائي العالمي من خلال صفقات الحبوب، أو عدم المساواة وسوء إدارة موارد الكوكب، أو اتخاذ إجراءات حاسمة بشأن تغير المناخ والاحتباس الحراري، فإن المشاكل المعاصرة ذات تأثير مباشر على الناس في جميع أنحاء العالم. وإن الفشل في إصلاح الحوكمة العالمية لتلبية احتياجات اليوم يمكن أن يؤدي إلى معاناة أكبر للأجيال القادمة ولكوكبنا، إلى جانب مشاكل الماضي والحاضر المستمرة.
وغني عن القول إن رؤية أردوغان للإصلاح ليست مجرد مثالية سياسية؛ بل هي تمثل نهجا عمليا يتناول سياسات العالم الحقيقي والقضايا العالمية واقتراحا لتلبية متطلبات عالم اليوم المترابط من خلال الاتفاقيات العالمية الجماعية وتعزيز الهيئات السياسية الدولية مثل الأمم المتحدة.