تكشف الدراسات الاستقصائية التي تقيس القطاع الحقيقي في أربعين اقتصاداً عالمياً رائداً، عن رغبة جماعية بين ملايين الشركات في تجنب الاستقطاب في العالم. وتدعو هذه الشركات إلى إيجاد حل سريع للتوترات الجيوسياسية العالمية والإقليمية، وتحث على وضع حد للاضطرابات الجيواقتصادية الناشئة عن هذه التوترات. ويتجلى هذا الاضطراب في تسييس المواد الخام والمنتجات الوسيطة والفرص التكنولوجية بين البلدان. وتحث كل من الدول والشركات على التحول نحو فترة يمكن فيها إعادة توجيه التركيز نحو تعزيز مهاراتها التنافسية.
وقد أكد مؤتمر الأمم المتحدة الأخير لتغير المناخ، والذي تم خلاله إعلان استضافة المؤتمر المقبل في أذربيجان، مرة أخرى على الأهمية الحيوية لمفهوم الاستدامة، والأهداف المطلوبة لتحقيق صافي صفر كربون وصفر نفايات. وينطبق هذا التأكيد على الدول والشركات الرائدة على مستوى العالم.
إن العملية الأساسية التي ستمكن الشركات التركية من التواجد في المنافسة العالمية وجعل صادراتها مستدامة هي "التحول الثلاثي"، إذ سيكون جدول الأعمال الرئيسي لهذه الشركات في الفترة الممتدة بين 2024-2030 متضمناً التحولات البيئية والتكنولوجية والاجتماعية.
كما سيكون عام 2024 حقاً عاماً انتقالياً للتحول البيئي. وفي الاقتصادات الرائدة في العالم، وخاصة في الاتحاد الأوروبي، ستكون الحساسية "البيئية" للشركات أحد أهم عناصر السمعة.
ومن المعروف أن مكانة الشركة في المنافسة العالمية باتت تتأثر بشكل كبير ببصمتها الكربونية وأداءها الخالي من النفايات وقدرتها على الاستفادة من الطاقة النظيفة والمتجددة. ويعزز النجاح في هذه المجالات موقف الشركة، في حين أن الفشل قد يؤدي إلى عواقب سلبية. ويمكن أن يؤدي عدم فعالية المبادرات البيئية إلى تعريض الشركة لضرائب بيئية إضافية، ما يؤدي إلى تآكل قدرتها التنافسية تدريجياً ضد الشركات التي تنجح في التحول الأخضر. ولضمان الاستدامة في الصادرات والربحية، يعد تحقيق النجاح في التحول البيئي أمراً بالغ الأهمية.
التحول التكنولوجي والرقمنة
والركيزة الحاسمة الثانية هي التحول التكنولوجي الذي يحتّم على الشركات تسريع تحولها الرقمي. فالذين لا يقدرون على رقمنة إنتاجهم وعملياتهم التجارية بشكل كافٍ ويفتقرون إلى القدرة على إدارة عملياتهم بشكل شامل باستخدام البيانات الرقمية، قد يجدون صعوبة في البقاء في المشهد التنافسي العالمي.
وبناءً على ذلك، فإن تعزيز فرق العمل والموظفين لإدارة عملية الرقمنة، وتعميق رأس المال الفكري الخاص بهم، سيكون من أكثر مجالات التركيز التي لا غنى عنها للشركات، على مدى السنوات الخمس أو الست المقبلة.
أما الركيزة الأخيرة للتحول الثلاثي فهي التحول الاجتماعي، المتمثل في تعزيز قدرة الشركات على تحسين عملها لصالح المجتمع. وقد تراجعت بالفعل قضايا مثل عمالة الأطفال أو عمل المحكوم عليهم في الاقتصادات الأكثر نخبوية في العالم، والتي هي أعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مثل تركيا.
وتدرك بعض دول مجموعة العشرين أنها بحاجة إلى ترك هذه القضايا وراءها في غضون عام أو عامين. ولذلك فإن إعطاء الأولوية لحساسية إفادة المجتمع في الأنشطة الاقتصادية للشركة سوف يميز الشركات من حيث السمعة والقيمة أيضاً. ويتعين علينا ألا ندع أعمالنا تتخلف أبداً عن هذه الأولويات العالمية التي تنخدع بالتوترات الجيوسياسية.