تهتم معظم الدول بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة في تركيا، بما في ذلك الدول الأوروبية، وخاصة ألمانيا وهولندا، وجميع سكان المعمورة معتادون على مصالح الدول الأوروبية في السياسة العالمية كونها استعمرت نصف العالم تقريباً، و حكمت النصف المتبقي بشكل مباشر أو غير مباشر.
وقد بدأت الدول الأوروبية التي استعمرت تقليدياً العديد من البلدان بشكل رئيسي في آسيا وأفريقيا، أو حكمت بعض البلدان بشكل غير مباشر مثل تركيا، تواجه صعوبات في توحيد وجهات نظرها وقراراتها.
ومن المعروف أن الدول الأوروبية كانت تدير تركيا ومناطق جغرافية مماثلة من خلال كوادر مدربة أو سياسيين أو وصاية عسكرية، كما نعلم في مصطلحات "الناتو".
وعندما تجعل الدول بلداً مديناً لها وتجعل من نفسها المصدر الوحيد لجميع السلع الصناعية بما في ذلك المنتجات العسكرية، فإنها تجعل ذلك البلد معتمداً عليها تماماً.
ويمكن للدول الغربية التي يبلغ نصيب الفرد فيها من الدخل القومي حوالي 50 ألف أو 60 ألف يورو، السيطرة بسهولة على البلدان النامية والمتخلفة من خلال التجارة أو الاستعمار المباشر أو الوصاية العسكرية، مثلما كان لبلجيكا وهولندا وإنكلترا وألمانيا العديد من المستعمرات، وبالرغم من أن بعضها يبدو وكأنهم قد استعادوا استقلالهم، إلا أن هذه الدول الأوروبية استمرت في استغلال المظلومين في مثل هذه المستعمرات.
الاستقلال السياسي
أسس الشعب التركي إمبراطوريات عظيمة في التاريخ وعاش في أوروبا لقرون وحوّل الثقافة الإمبراطورية إلى حضارة، لكن لسوء الحظ، أخضعت أوروبا الشعب التركي لحكم يشبه إلى حد بعيد استعمار العديد من الدول الأفريقية.
وطور الرئيس رجب طيب أردوغان رؤية من شأنها أن تعزز اقتصاد تركيا وصناعتها وصناعة الدفاع خطوة بخطوة من خلال السياسات التي وضعها على مدار العشرين عاماً الماضية، وكان الجانب السياسي للرؤية التي طرحها أردوغان الجزء الأكثر أهمية لأنها أوجدت روحاً ومناخاً مستقلين سياسياً في تركيا.
لكن هذا النهج الجديد و"تركيا الجديدة" تحت قيادة أردوغان لم تفضلهما الدول الغربية كثيراً، إذ انخفض شراء تركيا المباشر لمنتجات الصناعات الدفاعية من الغرب بشكل كبير، وبدأت البلاد في بيع منتجات دفاعية في أسواق التصدير وأصبحت منافساً حقيقياً ورقماً صعباً.
كما طورت تركيا صناعتها بشكل كبير وأصبحت الآن دولة قادرة على تصدير المنتجات الصناعية المتطورة إلى الغرب.
وأكثر ما هو ثوري باعتقادي أن تركيا لم تعد بحاجة إلى سياسات موالية للغرب من أجل الديمقراطية والحرية والإدارة السياسية، ولم تعد هناك حاجة لأن تكون جزءاً من النادي الاستعماري كي يتم اعتبارها "دولة جيدة" بعد الآن، فقد عزز أردوغان الاعتقاد لدى الناس بأن الدولة المستقلة سياسياً يمكن أن تحافظ على نفسها بشكل أفضل.
صمت أوروبا
كانت الأصوات المتعالية من ألمانيا وهولندا ودول أوروبية أخرى مع اقتراب الانتخابات في الاقتراعات السابقة، أكثر من أحزاب المعارضة في تركيا، وكانت الصحافة الأوروبية تنشر أطناناً من المقالات والكتابات المعادية حول أردوغان، وقد رأينا ذلك في كلٍ من الاستفتاء الرئاسي والانتخابات الرئاسية السابقة، وأعتقد أن مجموع المقالات حول أردوغان في ألمانيا قبل الانتخابات الرئاسية السابقة تجاوز تلك التي نُشرت في تركيا خلال نفس الفترة.
لكن الدول الأوروبية قررت التزام الصمت بشأن الانتخابات التركية هذه المرة، لانهم اكتشفوا أنه كلما تحدثوا ضد أردوغان وانتقدوه، زاد دفعهم للشعب التركي نحو دعمه، وبالتالي أصبح أردوغان أقوى، ولهذا السبب، نفهم أن الدول الغربية اتخذت قراراً بالصمت هذه المرة بينما تدعم لا شعورياً أو استراتيجياً، خصوم أردوغان.
ويا لها من مصادفة، فبعد محاولة الانقلاب الفاشلة تبنت جماعة "غولن" الإرهابية التي لا تزال ذات نفوذ كبير في ألمانيا والولايات المتحدة، نفس موقف الدول الأوروبية بالصمت، ولم يخرجوا وينتقدوا ويتحدثوا ضد الرئيس أردوغان، بل يقومون بطريقة سرية وخبيثة، بدعم كتلة المعارضة أو تحالف الأمة، من خلال إخافة الناس وإطلاق حملة ضد أردوغان بتكتيكات التضليل والحرب النفسية التي يجيدونها ببراعة.
والشعب التركي يقف الآن عند مفترق طرق، فإما أن يدعم أردوغان الذي يؤيد الاستقلال التام والوحدة الوطنية والتضامن مع أمته، أو أن يستسلم للسياسات الموالية للغرب والسعي لتحقيق مصالحه، كما كان الحال قبل 40-50 عاماً.
وما من شك أن الأمة التركية ستقرر ما هو الأفضل لها وستتخذ القرار الصحيح.