عام واحد يفصل تركيا عن الانتخابات الحاسمة التي يخوضها حزب العدالة والتنمية الحاكم بعدما قام بعمل ثوري في العديد من المجالات في تاريخ البلاد وحكمها دون انقطاع. لكنه بدلاً من تشكيل رؤيته المستقبلية، يحاول حالياً التعامل مع المشكلات الاقتصادية الناجمة بشكل رئيسي عن الوباء والصراعات الإقليمية المستمرة.
المعارضة المتصدعة
وجهت أحزاب المعارضة في تركيا اتهامات شديدة وانتقدت الحكومة على مدى السنوات الأربع الماضية، لكنهم مع ذلك، لم يتمكنوا من طرح رؤية تتجاوز الثقافة السياسية التي أنشأها حزب العدالة والتنمية. ولم تستطع أحزاب المعارضة، بسبب هياكلها متعددة الأقطاب ووجهات نظرها المتعارضة تماماً، التوصل إلى رأي مشترك ولا حتى التوجه إلى الجمهور بخطاب سياسي من شأنه أن يعطيهم أية بارقة أمل.
ويترك الموقف اللاسياسي للمعارضة الناخبين الأتراك في حالة توتر وتشتت. فعندما تضعف الحكومة في بلد ما، يطلب الشعب عادةً المساعدة من المعارضة ويوجه توقعاته نحوها. لكننا في استطلاع رأي أجريناه، ظل عدد الذين أجابوا بـ "نعم" على سؤال "هل تستطيع الحكومة حل مشاكل البلاد" أقل بقليل من 50%، في حين بلغ مجموع أولئك الذين قالوا "نعم" عن نفس السؤال للمعارضة بالكاد 35%. وعليه فإن حزب العدالة والتنمية يبدو أكثر قدرة على إدارة السياسات الموجهة نحو المستقبل.
استكمال البنى التحتية
في السنوات الأولى لحكم حزب العدالة والتنمية، شكلت السياسات والاستثمارات الصحية خطوات ثورية للأنشطة الحكومية بعد أن كانت البنية التحتية الصحية لتركيا في الماضي تشبه حال بعض البلدان الأفريقية. وأصبحت البنية التحتية التي أنشأت خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية تستطيع منافسة الدول الأكثر تقدماً في العالم اليوم. وأصبحت المتطلبات الحالية للبلاد فيما يتعلق بالخدمات الصحية تركز بشكل أكبر على قضايا مثل تدابير الصحة الوقائية ورفع سوية التعافي والسياحة الصحية.
كما شكلت البنية التحتية للمواصلات واحدة من أقوى الركائز في فترة حزب العدالة والتنمية الذي لم يقم ببناء الطرق والجسور والأنفاق فحسب، بل أنشأ أيضاً نظاماً بيئياً من الألف إلى الياء، ببنية تحتية كاملة تراعي النظام الإيكولوجي من الخطوط الجوية والمناطق البحرية والسكك الحديدية والخدمات اللوجستية إلى نماذج التنمية القائمة على المنطقة.
ومن المعروف أن الدول والحكومات التي لا تتماشى مع رغبات ومصالح الدول الغربية غالباً ما تتهم بأنها "معادية للديمقراطية" وقادتها "مستبدون". ومع ذلك، تكشف تركيا بثقة عن تقدمها في الديمقراطية في عالم يشيد فيه الغرب بديمقراطية مصر. وقد حقق حزب العدالة والتنمية أهم ثورة له في مجال الديمقراطية، إذ بالنظر إلى الحقوق الفردية ومواقف الدولة تجاه المواطنين، تعتبر تركيا اليوم في وضع يمكنها من اتخاذ معيار محدد مع كل دولة أوروبية. وفيما يتعلق بالمسألة الكردية، لم يعجز حزب العدالة والتنمية عن حل أية مشكلة مهما تكن، وهذا هو السبب في أن حزب الشعوب الديمقراطي، المعروف بعلاقاته مع تنظيم بي كي كي الإرهابي، لا يمكنه وضع أجندة سياسية بخلاف بعض القضايا الحمقاء.
نهاية الوصاية العسكرية
دأبت الوصاية العسكرية على قمع السياسة المدنية منذ الانقلاب العسكري عام 1960. ولم تخل حكومة من التعرض لضغوط من الجيش. حتى الناس العاديون أيضاً كانوا يشعرون بالضغوط في حياتهم اليومية، بسبب الانقلابات العسكرية التي كانت تذكر البلاد باستمرار بتأثير العسكر وبصماتهم. لكن حزب العدالة والتنمية أنهى هذا الكابوس بهيمنة السياسية المدنية على البيروقراطيات العسكرية والمدنية لأول مرة منذ انقلاب عام 1960.
السياسة الخارجية والأمن
في العقد الأول من حكم حزب العدالة والتنمية، كان الاستثمار في البنية التحتية والصحة والتعليم في المقدمة. لكن المخاطر الجيوسياسية والارتباك في علاقات التحالفات الفعالة في النظام العالمي، كشفت عن ضرورة قيام تركيا ببناء سياسة خارجية ونموذج أمني خارج ظروف ما بعد الحرب الباردة باعتبارها قوة إقليمية، فاتخذت البلاد التي تتمتع بتجربة دولة عميقة، خطوات ناجحة بشكل غير عادي في هذا الصدد. ويصف عالم سياسي إيطالي هذا التطور بجملة معبرة قائلاً: "كل من يواجه تركيا وجهاً لوجه يصبح الخاسر بشكل طبيعي".
سياسة الغد
وجدت الرؤية السياسية الخارجية والنموذج الأمني الذي وضعه حزب العدالة والتنمية استجابة في الضمير الجماعي للأمة، وأصبح استمرار هذه الرؤية النبيلة هو أعلى توقعات الجمهور. ويفخر كل مواطن بالتطورات والإنجازات المفاجئة في صناعة الدفاع.
إعادة بناء المستقبل
تمر الحكومة التركية اليوم بنقلة نوعية أساسية، ففي عام 2002 كانت البنية التحتية تعاني من مشاكل كبيرة إضافةً لنقص في الخدمات في المدن الرئيسية في البلاد، وحل حزب العدالة والتنمية الذي كان حزباً تنموياً هذه المشاكل بنسب عالية، ولم يعد هناك طلب اجتماعي على سياسة مستقبلية بشأن مشاكل البنية التحتية.
لذلك يتعين على حزب العدالة والتنمية الآن أن يعبر عن خطابه الثوري على مدار العشرين عاماً القادمة بحيث تتضمن عناوين هذا الخطاب: ثروة الفرد واقتصاد الثورة الرقمية ورؤية الديمقراطية للسنوات العشرين الثانية والعرض الإبداعي للسياسة الخارجية ومنظور المواطن التركي الجديد واستثمارات الإنتاج والبحث والتطوير والرؤية الجديدة للتجارة الخارجية والتعاون في الإنتاج والتعليم وغيرها. ولا بد أن يأخذ حزب العدالة والتنمية زمام المبادرة لأن قدرته على الحديث عن المستقبل لا تزال أعلى من المعارضة.