شغلت سوريا في الأسابيع الأخيرة عناوين الأخبار الرئيسية حول العالم مجدداً، وغني عن القول أن ذلك لم يكن للأسباب الحقيقية. وعلى الرغم من أن الجمهور الغربي قد تعب وسئم من الحرب الأهلية السورية، التي دخلت عامها السابع، فإنه لا يزال ثمة الكثير على المحك لأي طرف يتجاهله.
إن نظام بشار الأسد الإجرامي، الذي هجر ملايين المواطنين السوريين، وقتل مئات الآلاف من الأبرياء، وعذب المعارضين، يسعى اليوم إلى إلحاق الدمار والموت بإدلب. وهذه المنطقة التي تحمل أهمية خاصة، ليس لأنها تقع على حدود سوريا مع تركيا فحسب، وبصورة أوسع مع الناتو، بل بالنظر أيضاً إلى التهديدات الإنسانية المحتملة. وإذا ما نجح النظام في استهداف المنطقة تحت ذريعة محاربة المجموعات الإرهابية العاملة هناك، فإن ما يصل إلى ثلاثة ملايين شخص، العديد منهم لجؤوا إلى إدلب بعد إجبارهم على مغادرة مناطقهم في أجزاء أخرى من سوريا، قد يتعرضون للتهجير.
وعلى النقيض من خلفية الجدل حول إدلب، تسعى المجموعات الإرهابية، بما فيها داعش والقاعدة إلى إعادة تنظيم نفسها على هيئة تمرد على طريقة الخلايا في سوريا والعراق. وبالرغم من أن المسؤولين الغربيين سارعوا إلى إعلان النصر على الإرهابيين في منطقة الصراع، فإنه ليس سراً أن هؤلاء المسلحين ما زالوا يشكلون تهديداً جدياً للسلام والاستقرار الإقليميين. والأنكى من ذلك أن الأزمة المتكشفة في إدلب تحمل بين ثناياها إمكانية خلق تحد إضافي وجهاً لوجه مع جهود مكافحة الإرهاب في الميدان.
في السنوات الأخيرة، كانت تركيا واحدة من دول قليلة حول العالم اتخذت خطوات حقيقية وصادقة وتركز على النتيجة ضد إرهاب داعش. وبالرغم من أن بلادنا أصبحت هدف الانتقادات المجحفة والاتهامات الباطلة التي نشرتها حكومات أجنبية معينة من أجل نقل الحرب على الإرهاب إلى القوات التركية، فقد كنا عضواً فاعلاً في التحالف الدولي ضد المنظمة، والرئيس المشارك لمجموعة عمل مكافحة داعش حول المقاتلين الإرهابيين.
منذ عام 2015، قامت قوات الأمن التركية بتنفيذ مئات العمليات ضد مسلحي داعش وخلاياهم ومنازلهم، مع التشديد على الحدود مع سوريا والعراق، وفوق ذلك، نحن مصممون على اتخاذ الخطوات الضرورية لمنع تنظيم داعش من إعادة تشكيل نفسه.
إن جهودنا الدبلوماسية لوقف مذبحة وشيكة في إدلب والتوسط في اتفاق لوقف إطلاق النار لتسهيل عملية تحديد وإبعاد المسلحين الخطرين من المنطقة تمثل خطوة مهمة نحو تحقيق هذا الهدف. وقد شدد الرئيس رجب طيب أردوغان بنجاح على هذه النقطة، بانخراطه في محادثات صريحة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني حسن روحاني. وفي مقال افتتاحي لصحيفة وول ستريت جورنال، قام الرئيس أردوغان بحث الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على دعم جهوده لمنع الأزمة الإنسانية المقبلة في سوريا. وفي مسعى لتوسيع جهوده الدبلوماسية للتوصل إلى حل ملموس لأزمة إدلب، سيلتقي الرئيس أردوغان مع الرئيس بوتين يوم الاثنين.
ولكن على الغرب أيضاً أن يأخذ بالحسبان أن التدمير المخطط له للمعارضة المعتدلة، بالتوازي مع المقاتلين الإرهابيين، سوف يدفع المجموعات المحلية نحو المزيد من التشدد في النهاية. نعلم جميعاً إلى أين يقودنا هذا الطريق، تماماً كما فعلت جهود واشنطن المفتقرة إلى الرؤية الحصيفة خلال قضائها على القاعدة التي عبدت الطريق لصعود داعش ومجموعات راديكالية أخرى في سوريا والعراق، وأيضاً يمكن لخطوات خاطئة اليوم أن تلهم الجيل القادم من الإرهابيين. وبصورة خاصة، من المهم ملاحظة أن الجماعات الراديكالية سوف تركز بشكل أكبر على نشر التطرف عبر الأنترنت، وهجمات الذئاب المنفردة.
ولتجنب دفع ثمن أكبر في المستقبل، يجب على المجتمع الدولي أن يصطف خلف حل سياسي شامل وواسع للحرب الأهلية السورية، الحل الذي سيعالج الأسباب الجذرية للإرهاب ويخلق المؤسسات الضروري بناؤها، ويوفر نظاماً تمثيلياً وديمقراطياً.
إن موجة لجوء كبيرة من شأنها أن تعقد الوضع الإنساني بشكل أكبر. وإنه ليس سليماً ولا عادلاً أن يوضع العبء كاملاً على عاتق تركيا. يجب على العالم أن يساعد تركيا بطرق جوهرية في منع كارثة إنسانية أخرى، وهذا يتطلب انخراطاً سياسياً جدياً مع جميع الأطراف المعنية.