أصبحت تركيا دولة مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ عام 2005. وما كان فصلا جديدا ومثيرا وواعدا في علاقة البلاد مع بقية دول أوروبا أصبح اليوم ينطوي على خيبات أمل ونقص متزايد باستمرار في الثقة وعقبات في الطريق بشكل لم يكن يتوقعه أي شخص قبل 12 عاما.
أدت المشاكل والأزمات على الصعيدين الإقليمي والوطني إلى توتر العلاقات بين تركيا وبعض البلدان الأوروبية، مما أدى إلى توقف عملية الانضمام. وغني عن القول أن العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي تحتاج بالتأكيد إلى إعادة تعيين. ولكن هذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا اتفق الجانبان على التعاون بنزاهة واحترام وكشركاء على قدم المساواة.
قد يؤدي "توبيخ" تركيا إلى تحقيق مكاسب شعبية على المدى القصير لكنه لا يضمن السلام أو الأمن أو الرخاء لأي شخص. ولكي نكون واضحين، فإن المشاكل التي نواجهها اليوم تتجاوز حدود تركيا وأوروبا، وتؤثر على العلاقات بين المجتمعات الإسلامية والغربية في وقت الأزمات العالمية، والنزعة الوطنية المدمرة والعنصرية التي لا مثيل لها، واليأس المتزايد في جميع أنحاء العالم. ومن المستحيل تعزيز السلام العالمي والحفاظ على ثقافة الاحترام والتعايش على الصعيد العالمي دون عوالم إسلامية وغربية معا من أجل إدارة خلافاتهم والعمل من أجل الصالح العام للإنسانية.
في بعض الدول الأوروبية، أصبح العداء تجاه تركيا جزءا لا يتجزأ من السياسة المحلية لأن العداء يتوافق مع الناخبين اليمينيين. بيد أن ما بدأ كمشكلة لا تذكر منذ عقد مضى أصبح جزءا من التيار السائد اليوم. إن استرضاء المتطرفين اليمينيين يمكن أن يكون له عواقب كارثية. وغني عن البيان أن التحركات المناهضة لأردوغان في أوروبا توتر ليس فقط علاقتنا مع الحكومات الأوروبية، بل تضع الملايين من الرعايا الأتراك الذين يعيشون داخل حدود الاتحاد الأوروبي في وضع غير مستقر.
تركيا اليوم ليست هي نفسها البلد التي كانت في عام 1963، عندما أعربت عن اهتمامها الأولي بالانضمام إلى ما كان يسمى آنذاك الجماعة الاقتصادية الأوروبية. كما أنها لم تتغير منذ عام 1999 عندما أصبحت بلدا مرشحا. وقد تضاعف عدد سكاننا ثلاث مرات تقريبا منذ الستينيات. وقد تضاعف الناتج المحلي الإجمالي لدينا تقريبا منذ عام 1963.
غير أن ما يتجاهله بعض المراقبين هو أن أوروبا أيضا لا تبدو اليوم كما كانت عليه في أوائل القرن الحادي والعشرين. وتتميز القارة القديمة اليوم بالتطرف النازي الجديد والشعبوية وجرائم الكراهية ضد المهاجرين والمسلمين وغيرهم. وقد أدى تدهور الوضع الأمني فى أوروبا إلى جانب الجهود التي بذلتها بعض الحكومات الأوروبية لإغلاق الباب فى محاولة تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إلى انخفاض مطرد فى تأييد الشعب التركي لعضوية الاتحاد الأوروبي.
وتدعو تركيا إلى اتباع نهج جديد وبناء يستهدف شعوب أوروبا، بثقافتها وقادتها ومصالحها المشتركة. وفي الآونة الأخيرة، وبعد الاستفتاء الدستوري في تركيا في نيسان / أبريل 2017، التقى الرئيس رجب طيب أردوغان مع القادة الأوروبيين، بمن فيهم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، لفتح صفحة جديدة في العلاقات. وكان هذا على الرغم من أن الحكومة الألمانية، جنبا إلى جنب مع العديد من الدول الأوروبية الأخرى، قد تدخلت في الشؤون الداخلية في تركيا من خلال تقديم الدعم لخصوم الإصلاح الدستوري، بمن في ذلك أعضاء معروفون من منظمتي "بي كا كا" و"غولن" الإرهابيتين، والامتناع عن الإصغاء للجماعات التركية الموالية داخل حدودهم.
وفى اجتماع مع مسؤولين في الاتحاد الأوروبي في بروكسل بعد الاستفتاء، أكد الرئيس مجددا التزامه بإعادة تنشيط العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي. بيد أن الارتفاع الخانق للشعبوية اليمينية المتطرفة في أوروبا قد حال دون إحراز أي تقدم.
إن انتخابات الشهر الماضي في ألمانيا قد أرست مرة أخرى أن نشر الكراهية ضد تركيا والرئيس أردوغان لن يحول دون ظهور الشعبوية اليمينية المتطرفة في أوروبا. على الرغم من أن قادة الأحزاب السياسية الأكثر شعبية في ألمانيا أدلوا بتصريحات قاسية عن بلادنا خلال الحملة الانتخابية، فإن الأرقام لا يمكن تجاهلها: أكثر من مليون ناخب ممن دعموا المستشارة ميركل في الحزب الديمقراطي المسيحي في عام 2013، صوتوا لصالح حزب البديل العنصري.
بصفة خاصة في الجزء الشرقي من ألمانيا سابقا، حققت الحركات المتطرفة على اليمين واليسار على حد سواء مكاسب كبيرة على حساب الأحزاب السائدة. كما أن حقيقة أن الحركات الراديكالية أصبحت أكثر شعبية في الوقت الذي يؤدي فيه الاقتصاد الألماني أداء جيدا نسبيا. علاوة على ذلك، يثير تساؤلات حول صحة الافتراضات التقليدية حول الفقر والتطرف. إن سياسة الاسترضاء لم تنجح منذ قرن، وليس لدينا ما يدعو إلى الاعتقاد بأنها ستعمل الآن.
ونحن نعتبر عضوية الاتحاد الأوروبي هدفا إستراتيجيا لأسباب سياسية واقتصادية وأمنية. تلعب تركيا دورا هاما لأمن أوروبا في عالم متزايد الخطورة. ومع ذلك، فإننا لسنا مستعدين لقبول المعايير المزدوجة والتهديدات والعداء الصريح.
ويمكن إصلاح علاقة تركيا مع الاتحاد الأوروبي شرط أن يقبل القادة الأوروبيون أن علاقة غير متكافئة وغير عادلة لم تعد ممكنة. ويجب أن يكونوا مستعدين لاحترام الخيارات الديمقراطية للشعب التركي ومعاملة قادة تركيا المنتخبين بالاحترام الواجب وإشراك تركيا كشريك على قدم المساواة.
وهذا ينطبق على اتفاق الهجرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي وتحرير تأشيرة شنغن، والذي كان ينبغي أن يمنح للمواطنين الأتراك منذ سنوات عديدة. فليس من العدل التعامل مع فشل أوروبا في الوفاء بالتزاماتها كقضية فنية وصغيرة، ثم اتهام تركيا بأنها مفسدة.
يمكن لتركيا وأوروبا أن تستفيدا من علاقة قائمة على الثقة والاحترام المتبادل والتضامن. لكن هذا ليس طريقا أحادي الاتجاه ولا يمكن تحميل كامل العبء على تركيا وحدها. إذا أظهرت أوروبا الكتف البارد لتركيا لسبب أو لآخر، فمن الطبيعي لتركيا أن تتطلع لمصالحها في أماكن أخرى. وعلاوة على ذلك، ليس من المنطقي التشكيك في سعي تركيا إلى توسيع نطاق سياستها الخارجية خارج الأفق الغربي في عالم السياسة العالمية التي تشكلها مراكز متعددة.
وبدلا من ذلك، يحتاج الأوروبيون إلى بذل المزيد من الجهود للتغلب على إرث المركزية الأوروبية، والتي نظرا إلى حقائق القرن الحادي والعشرين، تؤذي أوروبا أكثر من غيرها وتولي الاهتمام لشواغل تركيا الأمنية المشروعة ومصالحها. إن قيم العدالة والمساواة والثقة والاحترام بدلا من المعايير المزدوجة والمناورات السياسية ضرورية لخلق مناخ جديد يمكن فيه إعادة العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي.