نحت الدبلوماسية الأمريكية في الآونة الأخيرة منحاً أكثر عزلة باتباع سياسات متشددة من قبل الإدارة الحالية للمحافظين الجدد. قمة وارسو الأخيرة كانت الدليل الأكثر وضوحاً على ذلك حتى الآن.
ولسوء الحظ أن المخاوف الإيرانية من الحكومة الأمريكية الحالية للمحافظين الجدد تشبه المخاوف العراقية من إدارة جورج بوش الابن، التي غزت البلاد عام 2003.
ولا يزال ماثلاً في ذاكرتنا، كيف نجح بوش في إضفاء الشرعية على الغزو الوحشي، بالكذب على العالم مدعياً أن نظام صدام حسين كان يمتلك أسلحة دمار شامل. وفي غضون فترة قصيرة، تبين أن ادعاءه لا أساس له من الصحة. لم تدمر مغامرة بوش تلك مصداقيته السياسية فحسب، بل مصداقية شريكه السياسي أيضاً، رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير.
لكن للأسف، لم يتعلم العالم أية عبر من مصير ملايين الأشخاص الذين قُتلوا في المنطقة خلال العقدين الأخيرين. أولاً في الغزو العراقي، ثم ظهور جماعات إرهابية بغيضة أطلق عليها اختصاراً اسم داعش.
اليوم، يرفض الرئيس دونالد ترامب وفريقه معظم تقارير المراقبين الدوليين بادعائهم أن إيران تقترب من إنتاج أسلحة نووية. ونتيجة لذلك، ضاعفت إدارة ترامب العقوبات الاقتصادية ضد إيران. يبدو أن محاولة الولايات المتحدة تهدف إلى الإطاحة بآية الله علي خامنئي والنظام الإيراني. ومع ذلك، ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان هناك تدخل عسكري سوف يلي هذا التصعيد.
بمناسبة الذكرى الأربعين للثورة الإيرانية، أصدر مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون شريط فيديو مثيراً للجدل، قال فيه إنه لا يعتقد أن إيران "سيكون لها العديد من الذكرى السنوية للاحتفال".
وقبيل مؤتمر ميونيخ السنوي للأمن، نظمت إدارة ترامب قمة حول "السلام في الشرق الأوسط" في العاصمة البولندية وارسو. على الرغم من أن الموضوع الرئيسي كان بعنوان السلام، إلا أن تلك القمة تمحورت في الواقع حول الحرب على إيران.
في المقابل، امتنعت الدول الأوروبية عن المشاركة في القمة التي تقودها الولايات المتحدة لأنها، كما هو معلوم، مستاءةً من تحركات ترامب بشأن العلاقات الاقتصادية العالمية التي تبدو مدفوعة بالمصالح الشخصية فقط.
فعلى سبيل المثال، جاء انسحاب ترامب غير المتوقع من الاتفاقية النووية الإيرانية، ضد مصالح الاتحاد الأوروبي. ولذلك، اتخذت المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، التي كانت كلها جزءاً من الاتفاق النووي الإيراني، أيضاً، خطوة الشهر الماضي، أغضبت ترامب فقط.
فقد أعلنت الدول الثلاث أنها ستحافظ على العلاقات التجارية مع طهران، من خلال عدم استخدام النظام المصرفي الأمريكي والدولار. بل سيتم تنفيذ المعاملات الاقتصادية عبر إجراء جديد يسمى "أداة دعم التبادل التجاري" سيسمح بالمبادلات التجارية بين الاتحاد الأوروبي وإيران دون الاعتماد على المعاملات المالية المباشرة.
لا أعرف كيف سيتم تنفيذ مثل هذا القرار أو ما إذا كان سيفعّل أم لا. ومع ذلك، ما أعرفه هو أن هذه الدول الثلاث، وهي دول تمثل دعامات أوروبا، قد تبنت بشكل واضح معاداة الولايات المتحدة. إذا صح التعبير.
بينما خفضت فيه جميع الدول الأوروبية، باستثناء المملكة المتحدة، مستوى التمثيل الدبلوماسي في اجتماع وارسو، كان المسؤولون الرفيعون المشاركون في المؤتمر من الأمريكيين. إذ حضر الاجتماع، نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، ووزير الخارجية مايك بومبيو، بالإضافة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
يبدو أن نتنياهو لم يهتم كثيراً بموقف العزلة ذاك، في وارسو، فأرسل تغريدة مباشرة خلال الاجتماع قائلاً: "ما هو مهم في هذا الاجتماع، وليس سراً، هو أنه يمثل لقاءً مفتوحاً مع ممثلي الدول العربية الرائدة، التي تجلس مع إسرائيل من أجل تعزيز المصلحة المشتركة للحرب مع إيران".
لكن التغريدة، تمت إزالتها بسرعة دون تفسير، وأعيد نشرها مرة أخرى بعد ساعة مع استبدال كلمة "حرب" هذه المرة بـكلمة "مكافحة".
باختصار، إن قمة وارسو التي قادتها الولايات المتحدة، والتي نُظّمت بهدف عزل إيران، أثبتت فقط عزلة الدبلوماسية الأمريكية، على الأقل بشأن الحرب مع إيران.