كان حل إدلب بالفعل عسير التطبيق، ولم يكن من الجيد وضع المجموعات المعارضة المناهضة للنظام تحت المراقبة التركية، كما أن قوات النظام السوري قامت بانتهاك بنود الاتفاق منذ اليوم الأول.
أراد "السفاح" بشار الأسد قتل جميع المعارضين، بمن فيهم النساء والأطفال. ومما شجعه هو وحليفه الرئيسي الاتحاد الروسي على ذلك، تردد الولايات المتحدة ونهجها سياسات متناقضة فيما يتعلق بالمعارضة السورية حيث تراجعت عن دعمها بالكامل وعن توفير التدريب والمعدات لها، ورفضت الاعتراف بها بحجة أنها امتداد لتنظيم القاعدة. ومع ذلك، يبدو أن الحل الإنساني الوحيد لحماية عائلات هؤلاء المدنيين الذين تحولوا إلى مقاتلين، هو اتفاق إدلب، الذي يعتبر الخطوة الوحيدة التي اتخذها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 17 سبتمبر 2018.
من شأن المنطقة العازلة حول محافظة إدلب، أن تخلق فترة الهدوء اللازمة لكتابة دستور ديمقراطي جديد لسوريا التي مزقتها الحرب. من الواضح أن فكرة الدستور الجديد بحد ذاتها، التي تفاجئ الكثيرون بموافقة الجانب الروسي عليها، تمثل المشكلة الرئيسية للنظام السوري. وقد جاءت الموافقة الروسية عليها كجزء من عملية أستانا.
حدثت العديد من التغيرات منذ عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وشكلت سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا واحدة من تلك التغيرات. فقد استسلمت إدارة أوباما إلى المحافظين الجدد في وزارتي الخارجية والدفاع الذين رعوا عهد بوش، دون النظر للشؤون العالمية، بحكمة التجربة الإمبريالية الأمريكية المتراكمة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى.
إن فكرة "يمكننا إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط التي كانت المملكة المتحدة قد رسمتها في السابق" لم تبدُ لأوباما ولا لوزيرة خارجيته هيلاري كلينتون بأنها تتعارض مع الحقائق الجديدة في المنطقة.
واعتقد المحافظون الجدد أنه ينبغي رسم خريطة جديدة بناءاً على ما أسموه "خطوط الدم" تقضي بتقسيم تركيا وإيران والعراق وسوريا. وبناءاً على ذلك، اختاروا أن يجعلوا الأكراد جنودهم في تنفيذ هذا المخطط.
ونظراً لأن الأكراد سيكونون المستفيدين الرئيسيين من هذا المخطط الذي يعيد التوزيع المساحي، فإنهم لا شك سوف يؤيدون ويشاركون بهذا الحدث بكل سرور. لكن المشكلة الوحيدة هنا أن الشعب الكردي في هذه البلدان الأربعة يعرف ويعي جيداً أنه بالرغم من كل الاحتياجات العرقية، فإن الأكراد يشكلون مكوناً ثقافياً وسياسياً، لا يتجزأ من المجتمعات التي يعيشون فيها.
الاستثناء الوحيد لذلك كان في تنظيم "بي كا كا" الإرهابي، الذي فرّ إلى العراق وسوريا بعد اتخاذ تركيا تدابير صارمة وفعالة لمنعه من سفك الدماء. لم يتمكن التنظيم المشؤوم في العراق من إنشاء أي سلطة له، لأن قوات مسعود برزاني وجلال طالباني لم تسمح له بذلك؛ لكن قصته بدت مختلفة في سوريا. إذ سرعان ما بسط سلطته على القبائل الكردية المحلية المتشرذمة.
وفقاً لما جاء في الحملة الانتخابية للمرشح ترامب، فقد اتخذت إدارة أوباما من داعش الإرهابية حجةً لإرسال قوات أمريكية إلى سوريا لقتالها. لذلك، قرر الرئيس ترامب بعد فوزه، وبنهجه المعتاد مع خصومه في كل القضايا، ومن خلال رؤيته بأن داعش قد تم القضاء عليها بالكامل، سحب القوات الأمريكية من هناك. لكن أفواج المحافظين الجدد في إدارته جعلته يغير رأيه فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية في سوريا، ليس لمرة واحدة بل لثلاث مرات.
واليوم، بدلاً من قيام الولايات المتحدة بالمساعدة في الحفاظ على الهدوء في سوريا، وبدلاً من مساعدة تركيا بإخلاص في دفع ميليشيا ي ب ك/بي كا كا بعيداً عن حدودها باتجاه الجنوب، تقوم أمريكا بالتحريض على الجماعات المسلحة في إدلب التي مع الأسف، تواجه هجوماً سورياً-روسياً قاسياً.
يتعين على روسيا اتباع سياسة ماهرة في مواجهة التحريض الأمريكي في إدلب. فالرد السوري غير المدروس هناك لا يعرض الجيش التركي في نقاط المراقبة حول إدلب للخطر فحسب، بل يزيد احتمال تجدد الحرب الأهلية الشاملة في سوريا أيضاً. إن تغير نوايا الولايات المتحدة واضح تماماً. وقد جعلهم خوفهم من عدم تمكنهم من إنشاء "كيان كردي" في سوريا عبر مؤتمر دستوري، يصرون على إنشائه كأمر واقع.
لإبقاء سوريا موحدة، لا بد من وضع دستور ديمقراطي جديد للبلاد وإجراء انتخابات حرة ونزيهة فيها، في آن معاً.