بعد حصوله على 67 في المائة من أصوات الناخبين الفنزويليين، تكتب رويترز في اليوم التالي للانتخابات: "قد يكون كيس من الأرز على طاولة مطبخ عائلة جائعة هو المفتاح الذي يمنح نيكولاس مادورو دعم الفقراء في الانتخابات الرئاسية".
جميع كبار الضباط والجنرالات يصطفون خلفك ضد محاولة انقلابية قام بها بعض الضباط، في حين تصوّرك الصحافة الأمريكية على أنك تقاوم ثورة شعب. يعلن سياسي شاب نفسه رئيساً للبرلمان ورئيساً مؤقتاً للبلاد، مخترقا كل مواد الدستور، فيقرر الرئيس الأمريكي تحويل كل الأموال المستحقة لبلدك له.
جونا غولدبرغ في نشرة "ناشونال ريفيو" الأسبوعية، ردَّ على أولئك الذين يدعون إلى التضامن الوطني في الولايات المتحدة قائلاً: "التضامن الوطني رائع عندما يكون بشروطكم". كما أشار إلى النكتة القديمة بأن أفضل شكل من أشكال الحكم هو "القيصر الجيد". ومع ذلك، القضية هي أن النظم السياسية لا تنتج دائما قيصرا جيدا. وكما لاحظ مؤسسوا أمريكا الأوائل، فإن البشر ليسوا ملائكة، ولا نزال نحتاج إلى الحكومات، والضمان الوحيد لحكومة جيدة هو الديمقراطية..
في المحصلة، وكما قال غولدبرغ، الديمقراطية رائعة إنما فقط عندما يفوز بموجبها شخص مثل نيكولاس مادورو.
لقد كره جميع المثقفين الليبراليين تقريبا الناخبين الأمريكيين عندما انتخبوا ترامب رئيسا. وكرهوه -وكرهوا النظام أكثر- عندما قام بتخريب خطط الحزب الجمهوري في الكونغرس. إنما لم يشكك أحد في صحة الإجراءات الديمقراطية في الولايات المتحدة، ربما باستثناء بعض المجانين هنا وهناك؛ كما لم يحلم أحد بانقلاب من قبل هيئة الأركان المشتركة. الديمقراطية الفنزويلية مقبولة إذا كان زعيمها لا يدافع عن حقوق الفلسطينيين، وإذا لم يكن ضد ضم الأراضي العربية الواقعة تحت الاحتلال إلى إسرائيل.
إذا سألت محرري صحيفة الإندبندنت في لندن عن تلك "الجرائم ضد الإنسانية" التي يتهمون "مادورو" بالقيام بها، فما الذي يمكن أن يقولوه غير ما يمكن أن تقوله البيروقراطية السابقة "لويزا أورتيغا". ما هو الدليل الدامغ حول الإدعاء الفاضح بأن الحكومة مسؤولة عن 8290 حالة وفاة، والتي تقول "أورتيغا" إنها وقعت بين عامي 2015 و2017 على أيدي مسؤولين تلقوا تعليمات من الحكومة؟ هل يمكنهم نشر تقرير إخباري مثل هذا عن أي رئيس وزراء بريطاني إذا ادعى شخص ما ذلك؟
نعم، الديمقراطيات تنتج أحيانًا أشخاصًا قد لا نحبهم. قد يكونون شعوبيين أو ديماغوجيين للغاية. ومهما يكن، يجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التوقف عن لعب دور السلطة العالمية التي تملك حق المصادقة على مصداقية الانتخابات. كلنا نعرف الآن كيف يعمل مخططهم: إنهم يزرعون سياسيًا شابًا وطموحًا أو جنرالًا في الجيش، إما يعطونه أموالًا بشكل مباشر أو يدعمونه اقتصاديًا بعد الانقلاب ثم يوفرون له الدعم اللوجستي ضد الحكومة الشرعية.
قبل الانقلاب في مصر، عانت البلاد من نقص حاد في الغذاء والدواء. وخلال انقلاب عبد الفتاح السيسي الذي بدأ في 3 يوليو 2013، تم قطع شبكة الاتصالات الخليوية في البلاد وكذلك الإنترنت لساعات.
نيكولاس مادورو ليس هوغو تشافيز. بدء التحالفات والحوارات ليست نقاطه الأقوى. لكن يمكننا أن نرى بصمات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بوضوح في انقلاب فنزويلا. في الأسبوع الماضي، أعلن رئيس البرلمان، "خوان غوايدو"، نفسه رئيساً مؤقتاً للبلاد. تم على الفور الاعتراف به على أنه الرئيس الشرعي من قبل الولايات المتحدة وأتباعها في مجموعة ليما. الاتحاد الأوروبي حذا حذوهم مباشرةً، وكذلك منظمة الدول الأمريكية.
والآن، تدعو ألمانيا وفرنسا وإسبانيا إلى إجراء انتخابات جديدة في غضون ثمانية أيام، وإلا فإنهم سيقرون بأن "غوايدو" هو الرئيس المؤقت لفنزويلا. وفق أية نظرية ديمقراطية يُسمح للدول الأجنبية بالمطالبة بإجراء انتخابات عامة في بلد ما إذا كانت هذه الدول لا تحب قادة ذلك البلد الحاليين؟ للأسف اليوم، تعتبر الآلية الديمقراطية صالحة فقط إذا كانت تنتج ما تريده الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.