إذا كان هناك سؤال يساوي مليون دولار، فهو السؤال التالي: ماذا يجب أن تفعل الولايات المتحدة في سوريا؟
لقد جربت صحفية تركية المشاركة في الإجابة على هذا السؤال على صفحات الرأي في صحيفة واشنطن بوست مؤخراً. لماذا ينبغي على المرء التفكير في رأي هذا الشخص بعينه؟ هل لأنه أطروحة أدبية مكتوبة بشكل جيد؟ أم لأن رأيها ممتلئ بالأفكار الخلاقة التي لم يفكر فيها كل أولئك الذين يتحدثون على وسائل الإعلام؟ الجواب هو "كل ما سبق وأكثر".
إنها تكشف عن أمور شديدة السرية بين واشنطن العاصمة ومقر "بي كا كا" في جبال قنديل في العراق. وبما أنه ليس من الممكن تلخيص تلك المشاركة، دعني إذاً أقتبس فقرة كبيرة منها:
"تحتاج إدارة ترامب إلى التفكير بشكل أكبر -جغرافيًا وسياسيًا- لمنع القتال الكردي التركي داخل سوريا. أتحدث عن تقديم أردوغان صفقة كبرى من أجل سلام شامل مع الأكراد. سيحتاج الأمريكان إلى القيام بأقصى جهدهم لتجنب وقوع القتال أي نشر الخرائط والانخراط في الهندسة الجيوستراتيجية، لوضع خطة سلام شاملة بين الأتراك والأكراد في جميع أنحاء تركيا وسوريا والعراق.
لم يعد من الممكن التعامل مع القضية فقط داخل حدود الدولة القومية في تركيا، ولا يوجد حل منفرد يمكن أن يعمل به فقط داخل سوريا. لهذا السبب يجب أن تكون نقطة البداية لأي صفقة كبرى تنازلات من الأكراد داخل تركيا. وسيتعين على واشنطن أن تقنع بطريقة أو بأخرى تنظيم "ب كا كا" الإرهابي، التظيم الأم للـ"ي ب ك"، بإعلان وقف إطلاق النار وسحب قواته من تركيا مقابل الحصول على الحكم الذاتي الكردي في سوريا. مثل هذه الصفقة الكبرى سوف تروق للأكراد والأتراك إذا كان هناك التزام أميركي جدي".
دعنا لا نتحدث عن فرضية خاطئة مفادها أن التفكير بإطار أكبر أو أصغر سواء -جغرافيًا أو سياسيًا- يتطلب أدوات يبدو أن إدارة ترامب تفتقر إليها وما عنته الكاتبة من خلال "القتال الكردي التركي في سوريا" هو عمليات أمنية عادية ضد الإرهابيين دأبت تركيا على القيام بها داخل تركيا أو خارج حدودها في العراق وسوريا.
جوهر المقال هو في نصح مقترح: تقترح المؤلفة أن الإدارة الأمريكية يجب أن تترك إرهابيي الـ "ب كا كا" يغادرون تركيا حتى تقبل الحكومة التركية بتمكين الحكم الذاتي الكردي في سوريا.
كلما قرأت هذا الكلام، كلما زادت معرفتي. مثل رياضة اليوغا القديمة إذ ترى في كل مرة لؤلؤة جديدة من الحكمة. إذ يبدو أن المؤلفة تتحدث عن مجموعة شرعية من الأشخاص الذين تحرروا من ربقة الاستعمار، ولكنهم لم ينالوا الاعتراف الكامل بهم، لذلك فهي توصي الولايات المتحدة بأن "تقنع" بطريقة ما تنظيم "ب كا كا" بإعلان وقف إطلاق النار وسحب قواته من تركيا.
وبما أن المؤلفة شخصية مميزة ومن المفترض أن نواب الرئيس الأمريكي يقدرونها ويحضرون معها حفلات الكوكتيل، فلا بد أن يكون لديها رأي يعكس الداخل السياسي في الولايات المتحدة حول الطريقة التي ستقنع بها الدبلوماسية الأمريكية إرهابيي "ب كا كا" في جبال قنديل.
وقد يلاحظ القارئ نقاطًا أخرى أيضًا عندما تتحدث الكاتبة عن تركيا والحكومة التركية والشعب التركي بطريقة فيها ازدراء واضح بأنهم سيتفاوضون أو سيسمحون للأميركيين وكأنهم وكلاؤهم التفاوض مع إرهابيي "ب كا كا" "لسحب قواتهم" من تركيا.
هذا الموقف المتعال الضحل، لا يصور فقط مشهداً قبيحاً لقتال تركيا مع الإرهاب، بل يضع الأكراد في موقف مشين للغاية، إذ لا يوجد عقل كردي في تركيا أو سوريا أو العراق يقبل أن يتم تمثيله من قبل مجموعة من الإرهابيين المتمرسين بالإجرام والذين قتلوا الأكراد أكثر من الأتراك أو العرب.
خلال السنوات الـ16 الماضية، نفذت تركيا سياسة جديدة لدحض الإنكار والتنصل العرقي الذي استمر قرابة 70 عاماً لشعبها الكردي. إلا أن هذه المقالة، التي أعادت كتابة التاريخ السياسي الحديث، تحاول أن تظهر هذه السياسة المتبعة تلك، كعملية سلام بين الحكومة التركية وإرهابيي "ب كا كا".
إذا حاول أي مسؤول في الحكومة الأمريكية النظر في قضية محاربة تركيا للتنظيمات الإرهابية كمسألة كردية، فلن توصله تلك النظرة إلى أي اتجاه مجدي، وسيستمر العراق وسوريا كأرض خصبة لكافة أنواع الإرهاب.
باختصار، ينبغي على الولايات المتحدة أن تضرب بعرض الحائط كل ما تقترحه مقالة الرأي في الواشنطن بوست، وعليها أن تسارع بالانسحاب من سوريا كما أمر الرئيس ترامب.