لعبت تركيا في السنوات الأخيرة، دوراً هاماً في تعزيز السلام والاستقرار في شمال وشرق أفريقيا. ويستعد الدبلوماسيون الأتراك حالياً للاضطلاع بدور رئيسي في معالجة التحديات التي تواجهها أفريقيا
زار رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان بودابست يوم الأحد، برفقة رؤساء دول وحكومات الدول التركية ومنطقة البلقان وقطر، بمناسبة العيد الوطني للمجر.
وفي مقابلة مع مجموعة من الصحفيين الأتراك كنتُ من ضمنهم، وصف أردوغان بشكلٍ خاص علاقات تركيا مع المجر بأنها "شراكة استراتيجية متقدمة".
ومن المقرر في إطار سعيهما إلى زيادة حجم التجارة الثنائية بينهما إلى 6 مليارات دولار، أن يعقد البلدان الاجتماع السادس لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بتاريخ 18 ديسمبر/كانون الأول الذي يصادف الذكرى المئوية لصداقتهما.
وعلى جدول أعمال اجتماع أردوغان في 20 أغسطس/آب مع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان كان هناك بند مهم يتعلق بالتعاون في مجال خط أنابيب الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال. ومما أضفى أهمية أكبر على هذا الاجتماع أن الضيوف كان من بينهم زعماء العالم الذين يلتقي بهم الرئيس التركي بانتظام ويبقى على علاقة جيدة معهم.
وقد عكس الإعلام الذي غطى الاحتفالات في بودابست الصورة الحقيقية لظهور أردوغان كزعيم يعزز الاستقرار والتعاون في أوروبا والقوقاز وآسيا الوسطى.
الدور الرئيسي لتركيا في القضايا العالمية
من الواضح أنه لم يغب عن وسائل الإعلام الغربية أن تركيا والمجر اتفقتا على مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك توسعة منظمة حلف شمال الأطلسي والطاقة، تحت قيادة كل منهما. ويواجه رئيس الوزراء أوربان انتقادات من أوروبا لأن بلاده ترزح تحت العقوبات فيما يتعلق بأموال الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فمن البديهي أن الزعيم المجري لا يزال واحداً من أكثر السياسيين وضوحاً في أوروبا عندما يتعلق الأمر بالدور الحاسم لتركيا وأردوغان في مواجهة التطورات الكبرى على الساحة الدولية والأمن الأوروبي والحرب في أوكرانيا وطالبي اللجوء. ولا بد أن نأخذ في الاعتبار أن أي زعيم أجنبي يسعى إلى اتباع سياسة خارجية مستقلة، يراقب عن كثب أردوغان باعتباره نموذجاً يحتذى به.
وفي معرض رد أردوغان عن أسئلة تتعلق بالسياسة الخارجية، برزت قضيتان هامتان: محاولة السويد للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، واهتمام تركيا بإفريقيا.
وفي إشارة إلى أن السويد يجب أن تفي بوعودها للبرلمان التركي للموافقة على طلبها، أدلى أردوغان بالتصريحات التالية: "أولاً وقبل كل شيء، تحتاج السويد إلى السيطرة على شوارعها. إذا لم يسيطروا على شوارعهم وكانت هناك هجمات متكررة على قيمنا المقدسة، فعندئذٍ...".
وفي معرض تسليط الضوء على القيم الفريدة لتحالف الشعب، أضاف الرئيس التركي بشكل خاص أنه لن يتخذ أي خطوات أخرى "دون التشاور مع رئيس حزب الحركة القومية دولت بهجلي وآخرين".
ويشير ذلك البيان بوضوح إلى أن الضوء الأخضر الذي تلقته السويد في قمة فيلنيوس لم يضمن الموافقة السريعة من جانب البرلمان. وبعبارة أخرى، سوف يشرع تحالف الشعب والمعارضة في المشاركة في المناقشة الجارية بشأن طلب عضوية السويد ابتداءً من شهر أكتوبر/تشرين الأول. وبناءً على ذلك، ينبغي للسويد أن تستجيب لتحذير أردوغان بالامتناع عن تقويض التضامن بين حلفاء الناتو.
انقلاب النيجر
ورداً على سؤال حول الانقلاب العسكري في النيجر، أكد الرئيس أردوغان التزام تركيا بلعب "دور رئيسي" في الحل السلمي. ومع تحذيره من أن التدخل العسكري من قِبَل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إيكواس، من شأنه أن يتسبب في انتشار حالة عدم الاستقرار إلى العديد من البلدان الأفريقية، أشار إلى اعتزامه مضاعفة جهود تركيا في "انفتاح أفريقيا" استناداً إلى مبدأ المكسب للجميع.
ومن المعروف أن تركيا لعبت في السنوات الأخيرة، دوراً بارزاً شمال وشرق إفريقيا من خلال تعزيز السلام والاستقرار في الصومال وليبيا، ودولٍ أخرى. وبناءً على ذلك، تعتزم البلاد أيضاً تقديم مساهمة دبلوماسية في الحل السلمي لمشاكل غرب إفريقيا. وبعبارة أخرى، تتصرف تركيا بطريقة فريدة في أفريقيا قاطعةً مرحلةٍ من المنافسة بين القوى العظمى.
ويختلف النهج التركي تجاه الدول الأفريقية بشكل كبير عن نهج كلٍ من فرنسا وروسيا والصين وحتى الولايات المتحدة. ولأنها غير مثقلة بإرث الاستعمار، فإن أنقرة لا توافق على التأثير المزعزع للاستقرار الذي تحدثه الشركات العسكرية الخاصة. وبدلاً من ذلك، تريد تركيا أن تخدم استثماراتها في أفريقيا المصالح المشتركة، وهي تؤكد بشكل واضح عدم رضاها عن المنظمات الإرهابية والانقلابات العسكرية والحروب بالوكالة في القارة.
ومن الآن سنشهد محاولات من جانب المؤسسة الدبلوماسية التركية لمحاولة لعب "دور رئيسي" في الجهود المبذولة لمعالجة قضايا أفريقيا.