بعد تراجعها عن تعليقاتها بسبب مهاجمة حزب الشعب الجمهوري لها وعزل نفسها داخل كتلة المعارضة، من المرجح أن تواجه ميرال أقشنر رئيسة حزب جيد، ضغوطاً جديدة من العلمانيين بشأن تورط التحالف بقبول تأييد حزب الشعوب الديمقراطي لمرشحه قلتشدار أوغلو.
وبعد أن عادت ميرال أقشنر رئيسة حزب جيد إلى "الطاولة السداسية"، ووقعت على ترشيح رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال قلتشدار أوغلو لانتخابات الرئاسة عن تحالف الأمة، لا تزال في وضع أسوأ من جميع القادة الآخرين الجالسين حول "الطاولة" التي تقع على خطوط الصدع السياسية والأيديولوجية المتعددة.
ومما لا شك فيه أن ما دفع ميرال أقشنر بالأساس لاتخاذ موقفها بالانفصال عن الطاولة السداسية، هو محاولتها تخفيف الضغط المتجذر في كونها عالقة بين الناخبين الوطنيين المحافظين والناخبين العلمانيين.
لكنها اتُهمت بالخيانة وعلى حد تعبيرها "رُجِمت مثل الشيطان" وبالتالي، كان عليها أن تجنح للسلام باتخاذها الخيار الثاني مع أنه وضَعَها موضع الخاسر. بعبارة أخرى، كان عليها أن تختار خياراً سيئاً بدلاً من خيارٍ أسوأ. والآن تواجه رئيسة حزب جيد مباحثات جدية مع قلتشدار أوغلو تتعلق بالتواصل مع حزب الشعوب الديمقراطي لطلب تأييده.
وبعد نشرها ورقةً مؤلفةً من 11 نقطة في سبتمبر/أيلول 2021، تطالب فيها قيادة حزب الشعوب الديمقراطي "بمفاوضات واتفاقات مفتوحة" فيما يتعلق بـ "الديمقراطية"، حيث أعرب الزعيم السابق للحزب والمسجون منذ فترة صلاح الدين دميرطاش، ضرورة أن يصافح قلتشدار أوغلو حزب الشعوب الديمقراطي من أجل "تغييرات كبيرة وتحول ديمقراطي" في القرن الثاني للجمهورية، تعتقد أقشنر أن الزيارة المحتملة لزعيم المعارضة الرئيسي إلى مقر حزب الشعوب الديمقراطي هو شأن يخص حزب الشعب الجمهوري. وتصر أقشنر على أن تحالف الأمة لن يتعامل مع حزب الشعوب الديمقراطي أو مطالبه، ولا يمكن للإدارة القادمة أن تمنح مقاعد وزارية لذلك الحزب.
ومع ذلك، صرح مدحت سنجار أحد الرؤساء المشاركين لحزب الشعوب الديمقراطي مؤخراً، أن قلتشدار أوغلو سيزور حزبهم باسم التحالف الذي أيد ترشيحه، فيما يوحي بأن زعيم أكبر حزب معارض، يريد أن يعقد اتفاقية غاية في الصعوبة والتعقيد.
وفي الواقع، كانت ملاحظات أقشنر هشة وغير متماسكة إذ لا توجد طريقة يقبل بها حزب الشعوب الديمقراطي استبعاده من كتلة المعارضة لأنه "امتداد لتنظيم بي كي كي (الإرهابي)"، بينما يؤيد مرشح المعارضة كما فعل في الانتخابات البلدية لعام 2019. وبهذا المعنى، فإن قلتشدار أوغلو مستعد للقاء كل من يؤيده أياً كان.
جدول ستة + اثنين
من المعروف أن قلتشدار أوغلو لن يتفاوض مع حزب الشعوب الديمقراطي لإدراج أعضاء منه في قائمة مرشحي حزبه. بل على العكس تماماً، فهو سيطرق باب حزب الشعوب الديمقراطي كمرشح رئاسي لتحالف الأمة ليطلب دعمهم.
أما أقشنر فقد ضمدت جرحها النازف وعادت للجلوس على طاولة الستة من خلال تضمين رؤساء بلديات إسطنبول وأنقرة في هذا المزيج. وهي في الوقت الحاضر، تواجه التحدي الأكبر المتمثل في اختلاق الأعذار لتضمين حزب الشعوب الديمقراطي في "تحالفهم الكبير".
وباختيارهما عدم خوض الانتخابات الرئاسية، أوضح رئيسا بلديات إسطنبول وأنقرة أكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش لرئيسة حزب جيد، أنهما مخلصان لحزب الشعب الجمهوري، وبدلاً من ذلك اختارا تأييد قلتشدار أوغلو. ومن الممكن أيضاً أن يثبت حزب الشعوب الديمقراطي لها أنه يدعم تحالف "طاولة الستة + اثنين". علاوة على ذلك، لا يمكن أن يكون لدى أقشنر إجابة مقنعة لرسالة دميرطاش المفتوحة: "لماذا تعتبرين أن سياسة التفاوض من حقك فقط، وليست من حق حزب الشعوب الديمقراطي أيضاً؟"
ولنأت الآن للسؤال الأهم وهو: ماذا يريد حزب الشعوب الديمقراطي مقابل تأييده لترشيح قلتشدار أوغلو؟
بعد تراجعها عن تعليقاتها بسبب مهاجمة حزب الشعب الجمهوري لها وعزل نفسها داخل كتلة المعارضة، من المرجح أن تواجه رئيسة حزب جيد ضغوطاً جديدة من العلمانيين حول تورط التحالف بقبول تأييد حزب الشعوب الديمقراطي لمرشحه قلتشدار أوغلو.
وإذا ما سمح حزب جيد لحزب الشعوب الديمقراطي بالانضمام إلى الائتلاف، فيجب أن يكون مستعداً لخروج الناخبين الوطنيين المحافظين من صفوفه.
وإلا فماذا تعني عبارة أقشنر: "يجب على الجميع توخي الحذر في حال عقد اجتماع حول قضية لم تتسبب في شجار من قبل، لكنها قد تؤجج التوترات الآن. ليس لحزب الشعوب الديمقراطي مقعد على الطاولة".
فهل ستخاطر رئيسة حزب جيد برجم مجازي آخر لحزب الشعوب الديمقراطي؟ أنا أشك في ذلك.
والبديل هو إما جعلها تتصالح مع معاملتها كمنبوذة، أو أن يشعر قلتشدار أوغلو وأنصاره بالغضب لدرجة أن أقشنر ستضطر إلى انتهاك المبادئ الأيديولوجية لحزبها.
وربما يمكنها تفسير عدم رغبتها في شغل منصب نائب الرئيس في حكومة قلتشدار أوغلو المحتملة بالقول إنها ليس لديها "طموحات سياسية". لكن لا توجد أي طريقة على الإطلاق للنظر في وجوه الناخبين الوطنيين المحافظين وإخبارهم بأنها تنوي إعادة بناء تركيا بما يتماشى مع مطالب حزب الشعوب الديمقراطي.