متحدثاً عن الأزمة في أوكرانيا، ألقى الزعيم التركي خطاباً مؤثراً في منتدى أنطاليا الدبلوماسي، انتقد فيه النظام الدولي الحالي وسلط الضوء على أهمية الدبلوماسية لإيجاد طريقة للتقدم في حل النزاعات.
وكان موضوع المنتدى الذي أصبح منصة جذابة للدبلوماسية التركية النشطة، هو "إعادة ترميز الدبلوماسية". وقد احتل المنتدى عناوين الصحف بفضل اجتماع تاريخي استحوذ على اهتمام الحكومات في جميع أنحاء العالم، حيث التقى في 10 مارس/آذار، وزيرا خارجية روسيا وأوكرانيا برعاية ووساطة وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو. وتبادل القادة والدبلوماسيون والأكاديميون والصحفيون في اليوم التالي وجهات النظر حول فرص الدبلوماسية في استعادة نفوذها. وقد انعقد منتدى أنطاليا الذي ضم أكثر من 75 مشاركاً، وسط حالة عدم اليقين الجديدة التي يعيشها النظام الدولي بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وسعى إلى إيجاد حلول دبلوماسية.
وفي خطابه الافتتاحي، شدد تشاوش أوغلو على أن المنتدى هو "هدية من خدمات الخارجية التركية البالغة 500 عاماً من العمر" وشدد على أن الدبلوماسية بحاجة إلى "لغة ومنظور جديدان".
دعوة لإعادة تنشيط الدبلوماسية
دأبت تركيا على إبراز الطبيعة غير العادلة للنظام الدولي الحالي أكثر من أي دولة أخرى. ويعكس شعار أردوغان "عالم أكثر إنصافاً" دعوة البلاد طويلة الأمد لإعادة تنشيط الدبلوماسية. ولا تريد تركيا بدعوتها تلك انهيار النظام الدولي ولا منظومة الأمم المتحدة بل على العكس من ذلك، يدعو شعار أردوغان إلى إصلاح يتماشى مع التغيرات في العالم.
كما أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي حضر المنتدى عبر الفيديو، ضرورة محاولة إعادة صياغة الدبلوماسية "في هذه الأيام الصعبة" بقوله إن "الدبلوماسية هي روح ميثاق الأمم المتحدة".
ودعا أردوغان الذي أطلق جهوداً دبلوماسية مكثفة في إطار الأزمة الأوكرانية وسياسة التطبيع، لرفض الظلم وكذلك ضحايا المجاعات والصراعات. وحدد هدف إعادة ترميز الدبلوماسية بالقول "إننا مضطرون لبناء عالم يسوده السلام وليس الحرب". وفي الحديث عن ظلم نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية والذي عكس المصالح الحصرية للفائزين الخمسة، أشار أردوغان إلى أن أزمة أوكرانيا كشفت إفلاس النظام الدولي وأكد أن روسيا إحدى الأطراف المتحاربة، تسببت وهي عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى توقف النظام بأكمله. وفي إشارة إلى الفجوة بين الأعضاء الدائمين وغير الدائمين في مجلس الأمن، كرر الرئيس التركي دعوته إلى إصلاح نظام الأمم المتحدة من أجل "مصالح أمتنا وكذلك الإنسانية نفسها". وخلص إلى أنه "يجب بناء هيكل أمني عالمي جديد لخدمة السلام بدلاً من الوضع الراهن، وخدمة البشرية جمعاء بدلاً من خمسة بلدان فقط".
وعكست هذه التصريحات التزام أردوغان بالارتقاء بالدبلوماسية إلى مستوى أعلى، مشدداً على أن الدبلوماسية يجب أن تلعب دوراً نشطاً قبل اندلاع الأزمات وليس بعدها، وأوضح أن كل مشكلة مهملة ستؤذي في النهاية من أهملها، ومن الضروري توطيد السلام والمشاركة بإحلاله قبل ظهور المشاكل.
وفي إشارة إلى قلق تركيا "من تحول الأزمة بين جيراننا إلى صراع عنيف"، انتقد أردوغان بوضوح العدوان الروسي وطرح السؤال التالي: "هل كنا سنواجه الوضع الحالي لو كان العالم وخصوصاً الغرب قد تحرك ضد احتلال القرم في 2014؟"
كذلك انتقد الرئيس التركي الغرب لعزله روسيا تماشياً مع عقلية الحرب الباردة الجديدة. وأشار إلى أوجه الشبه بين استبعاد الثقافة والموسيقى الروسية وأفعال هولاكو الحاكم المغولي، فقال "لا نريد المزيد من أمثال هولاكو".
وغني عن البيان أن تركيا السباقة بخط نهج جديد للدبلوماسية بخطابها وأفعالها، إنما تبحث عن نموذج جديد ليس من منطلق رومانسي بل بهدف الاهتمام بمصالحها والتمسك بالقيم الإنسانية الأساسية.
وأوضح مثال على نهج أردوغان الواقعي للسياسة الخارجية الذي يمزج القيم بالمصالح، تجلى بالدبلوماسية التركية النشطة في مواجهة الأزمة الأوكرانية. ومع أن العالم قد لا يكون مستعداً لهذا النموذج الجديد، ولكن عندما يخيم التخبط وعدم اليقين العالمي ومنافسة القوى العظمى على مستقبلنا، فإن أي دعوة لنموذج جديد يمكن أن يساعدنا على مواجهة على ما ينتظرنا، سيكون له بالتأكيد قيمة عالية.