زار وفد رفيع المستوى من حكومة طالبان الأفغانية المؤقتة بقيادة وزير الخارجية بالوكالة أمير خان متقي العاصمة التركية أنقرة الأسبوع الماضي. وخلال لقائه بالوفد ذكّر وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو حركة طالبان التي تسعى للحصول على اعتراف دولي ومساعدات إنسانية واستثمارات أجنبية، بأهمية تشكيل حكومة شاملة وضمان التحاق الفتيات بالمدارس.
وبعد تلقي هذه التوصيات، عاد الوفد إلى أفغانستان، ليُصاب بالصدمة من هجوم انتحاري نفذته داعش على مسجد شيعي في قندهار، لقي على أثره حوالي 47 شخصاً من المصلين حتفهم. وكان انتحاري آخر من داعش قتل يوم الجمعة السابق، ما لا يقل عن 100 شخص في مسجد تقطنه أغلبية شيعية في قندز.
إن تصاعد هجمات داعش الإرهابية يجب أن تدق أجراس الإنذار في جميع أنحاء العالم، مع التركيز على مستقبل أفغانستان. فهذا التنظيم الذي يغذي الصراع العرقي والطائفي، يمثل أكبر تحدٍ في أفغانستان وجوارها.
ويتساءل العالم بأسره حالياً كيف تنوي طالبان حكم أفغانستان. لكن البلاد تواجه مستقبلاً قاتماً للغاية. فبالرغم من تراكم الخبرة الكبيرة بين عامي 1996 و2001 ، تجد الحركة صعوبة في إعادة بناء البيروقراطية وإدارة المؤسسات العامة وإدارة الحياة الاقتصادية للبلاد. فضلاً عن ذلك، أدى نزوح رأس المال البشري والمالي إلى جر الاقتصاد الأفغاني الضعيف بالفعل إلى أزمة شاملة. وينتظر الشعب الأفغاني، الذي دعم حركة طالبان أملاً بالتخلص من الفساد المستشري في عهد الرئيسين السابقين حامد كرزاي وأشرف غني، أن تحكم الحركة بفعالية ممنهجة.
ومع ذلك، فإن الشعور بالنصر الذي أحدثته هزيمة الولايات المتحدة، قد يفسح المجال لأزمات الحكومة وللثورات ذات الدوافع العرقية. علاوة على ذلك، فإن استمرار وجود المنظمات الإرهابية في أفغانستان وخصوصاً داعش، يعرّض الاستقرار الداخلي للخطر، وكذلك جمهوريات آسيا الوسطى والصين وبقية العالم. ومع اقتراب فصل الشتاء، قد يعاني ملايين الأفغان من الجوع والفقر وبالتالي سيدفع تفاقم المعاناة الإنسانية السكان إلى الهجرة.
وإذا لم يتخذ المجتمع الدولي قراراً بشأن مشاركته مع طالبان قريباً، يمكن أن ينتهي الأمر بأفغانستان في حلقة مفرغة من الفقر والإرهاب والحرب الأهلية. كما أن البنية العرقية للحركة تتكون إلى حد كبير من البشتون، ما يجعل المجموعات العرقية الأخرى غير راضية، وبذلك تصبح التناقضات أكثر وضوحاً بغض النظر عن آراء داعش المتطرفة التي تعتبر حتى طالبان غير إسلامية، وأعمال الإرهاب التي تقوم بها تلك الجماعة في المزيج العرقي المكون للمجتمع الأفغاني.
ولكن هل طالبان حركة معتدلة؟
يتعين على طالبان بدايةً ضمان فعالية الإدارة العامة في أفغانستان وتشكيل حكومة شاملة. كما تحتاج الحركة أيضاً إقناع العالم بأنها أصبحت أكثر اعتدالاً، رغم إمكانية أن تقوم داعش، بجعل طالبان تدفع ثمناً باهظاً عن ذلك.
في الواقع، لم يعد السؤال هو ما إذا كان انتصار طالبان يشجع المحافظين السياسيين في أماكن أخرى. ففي ظل انعدام الاستقرار، يمكن لأفغانستان أن تصدّر الإرهاب إلى محيطها ومنه إلى بقية العالم. وقد لا يكون ذلك بسبب سياسة الحكومة الأفغانية بل بسبب عدم قدرة البلاد على محاربة الكيانات الإرهابية. وأنا شخصياً لا أريد حتى مجرد التفكير بنتائج سيطرة أية جماعة إرهابية على معدات عسكرية بمليارات الدولارات تركتها الولايات المتحدة في أفغانستان. وغني عن البيان أن الخطاب المعادي للإسلام الذي يربط تعاليم الإسلام والمسلمين بالعنف، سيبرز أكثر في ظل هذه الخلفية.
والتهديد الأكبر الوحيد لأفغانستان التي تهيمن عليها التقاليد الصارمة اليوم، هو الدمار السياسي والاقتصادي الذي تحاول داعش والجماعات المماثلة إحداثه. لذلك يجب على المجتمع الدولي التعامل مع طالبان ومطالبتهم بتعزيز الاستقرار والخضوع لتحول جزئي. وفي الوقت نفسه، ينبغي على دول العالم تقديم المساعدة الكافية لأفغانستان في كفاحها ضد داعش والمنظمات المماثلة.
النهج التركي مع طالبان
إن جميع الاعتبارات المذكورة تشكل سياسة تركيا تجاه طالبان، ولا تعني زيارة وفد طالبان لتركيا أن أنقرة تعترف بالحركة رسمياً. بل على العكس، تريد الحكومة التركية التعامل مع طالبان للمساعدة في استعادة الاستقرار في أفغانستان. وعلى هذا النحو، احتلت مواضيع إدارة مطار حامد كرزاي الدولي في كابل والمساعدات الإنسانية والاستثمارات الاقتصادية والهجرة وقضايا الأمن، جدول الأعمال في اجتماع الأسبوع الماضي. ومن المهم لطالبان إعطاء الأولوية لتركيا إلى جانب قطر، في انفتاحها على العالم.
في الوقت نفسه، على المجتمع الدولي المساهمة في جهود أنقرة لوضع خارطة طريق بشأن أفغانستان. وتحتاج دعوة الرئيس رجب طيب أردوغان لمجموعة العشرين لإنشاء مجموعة عمل بشأن أفغانستان مع ترشيح تركيا لرئاسة تلك المجموعة، إلى المصادقة عليها.