تعتزم تركيا التدخل لمنع وقوع حرب أهلية في أفغانستان بعد أن تقدمت طالبان نحو كابل بسرعة أكبر مما كان متوقعا، وتمكنت يوم الأحد من السيطرة على القصر الرئاسي في العاصمة الأفغانية مستغلةً الفراغ الذي خلفه انسحاب القوات الأمريكية.
وكان الرئيس الأفغاني أشرف غني، غادر العاصمة مع اقتراب المتمردين منها، وقبل أن يدخلوا المدينة في نهاية المطاف ويسيطروا على القصر الرئاسي، ليعلن بعد ذلك أن طالبان انتصرت وحققت فوزاً عسكرياً على مستوى البلاد في 10 أيام فقط.
والواقع أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مهدت الطريق لتقدم طالبان، الذي أدى بالفعل إلى نزوح مئات الآلاف من الأشخاص، بالرغم من أن الرئيس السابق باراك أوباما هو من أشار في الأصل في عام 2011 إلى نية واشنطن في الإنسحاب قائلاً إن طالبان لم تكن العدو. وفي النهاية نفذ بايدن خطة الانسحاب من أفغانستان التي كان سلفه دونالد ترامب قد وضعها.
وكان أكبر خطأ ارتكبته واشنطن هو سحب قواتها العسكرية دون تنفيذ عملية انتقال سياسي في محادثات الدوحة بين الحكومة الأفغانية وطالبان. وسيبقى هذا الخطأ موضوع العديد من الكتب والدراسات في الولايات المتحدة التي فشلت على مرأى العالم في محاولاتها "لإعادة بناء" و"دمقرطة" العراق وأفغانستان. كما يمكن لإدارة بايدن بدورها، التركيز على هذا الفشل خلال "قمة الديمقراطية" الافتراضية المقرر عقدها في ديسمبر/كانون الأول.
ومع ذلك، فالصورة أكثر قتامةً هي عند لالبلدان التي ستتأثر بالأزمة الأفغانية مثل تركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان وروسيا والصين والهند وباكستان وإيران وأخيراً تركيا. ذلك لأن الفراغ الجيوسياسي والصراع على السلطة الناتجين عن الانسحاب الأمريكي، سيكونان قضية حاسمة في المستقبل.
وتشمل القضايا الناتجة عن تقدم طالبان والتي تتطلب التركيز عليها والاهتمام بها، المنافسة بين روسيا والصين وكذلك الهند وباكستان، وسلامة الطرق الدولية بشكل عام وطريق الحزام بشكل خاص، ووضع الأويغور، وموجات اللاجئين المستقبلية، والوضع الجديد لتهريب المخدرات، والمشاكل الأمنية المباشرة وغير المباشرة التي ستتسبب بها طالبان في آسيا الوسطى.
ولملء هذا الفراغ، عززت روسيا مؤخراً التعاون العسكري مع طاجيكستان وأوزبكستان. أما الهند فتبدو قلقة بشأن القوة المتنامية لباكستان. كما أن الصين قلقة هي الأخرى من أي تأثير لهذه التطورات على الأويغور. بينما تسعى إيران بدورها للاستفادة من الفوضى.
ومع تفاقم الأزمة الجديدة في أفغانستان، تواجه تركيا انتقادات بسبب سيطرتها على مطار حامد كرزاي الدولي في كابل. ولا تزال أنقرة التي حددت شروطاً معينة، تتلقى دعوات للانسحاب من البلاد من بعض أصحاب المصلحة الذين يتساءلون عما إذا كان دور تركيا غير المقاتل متوافقاً مع مصالحها الوطنية، حيث يصر الرئيس رجب طيب أردوغان بدوره، على المشاركة في المعادلة الحاصلة في أفغانستان، وقد أبدى استعداده للتحدث مع ممثلي طالبان إذا لزم الأمر.
الحقيقة أن تركيا ليس لديها الالتزام العسكري الكافي للتورط في حرب أهلية محتملة في أفغانستان ولا هي تنوي القيام بذلك أصلاً. فالأتراك الذين تربطهم علاقات ودية مع جميع الأطراف بما في ذلك طالبان، لا ينوون الدخول في قتال يسفك الدماء ويدمر البلاد.
ولذلك، هم يبحثون عن طرق لتنفيذ مهمتهم في كابل ضمن هذا الإطار. إذ تريد تركيا على وجه التحديد تقديم مساهمة دبلوماسية لمنع الحرب الأهلية بعد انسحاب الولايات المتحدة، ما يعكس من وجهة نظر أنقرة، طبيعة العلاقات التاريخية بين الأتراك والأفغان.
وتبدو أفغانستان منذ استيلاء طالبان على البلاد في انتهاك صارخ لمحادثات الدوحة، معزولة عن بقية العالم. وقد تعهد الاتحاد الأوروبي بالفعل بقطع المساعدة المالية عنها في ظل هذه الظروف. لكن أنقرة مصممة على تهيئة الظروف اللازمة لقواتها غير المقاتلة للسيطرة على مطار كابل في كلتا الحالتين، مؤكدة أن الدعم المالي واللوجستي أساسيان لإنجاز هذه المهمة. وفي الوقت نفسه تستمر محاولات إقناع طالبان بالأمر لأن تركيا تهدف أن تصبح وسيطاً موثوقاً به وقوة استقرار في البلاد.
والواقع أن تركيا إذا كانت تسعى إلى لعب دور نشط في سياسات آسيا الوسطى حيث يشهد ميزان القوى تغيرات معينة، فلا بد أن تكون جزءاً من التوازن في أفغانستان. وعلاوة على ذلك، يعرف الأتراك بالفعل فوائد لعب دور نشط في أوقات كهذه.
وبالرغم من أن تركيا التي تعمل حالياً في كل من أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا وقره باغ لا تتحمل مسؤولية الوضع في أفغانستان، لكنها لا تستطيع الهروب من الأزمة هي الأخرى، ولا بد لها من لعب دور في إدارة الأزمة التي تلوح في الأفق خصوصاً أن اللاجئين الأفغان في طريقهم إليها بالفعل.