يبدو شهر يونيو/حزيران الجاري حافلاً ومزدحماً بالنسبة لتركيا وتحركاتها السياسية على الساحة الدولية. فمن المقرر أن يلتقي الرئيس رجب طيب أردوغان مع رئيس الولايات المتحدة جو بايدن على هامش قمة الناتو في 14 من هذا الشهر، بالإضافة إلى مناقشة قادة الاتحاد الأوروبي في وقت لاحق من الشهر الجاري "أجندتهم الإيجابية" مع تركيا.
ويراقب الأوروبيون خيارات السياسة الأمريكية المعلقة وكذلك المحادثات الجارية بين تركيا واليونان، حيث زار وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو أثينا في 31 مايو/أيار على خلفية تلك المحادثات.
وخلال زيارته الأخيرة وجه وزير الخارجية التركي ملاحظات بناءة على عكس ما فعل نظيره اليوناني "نيكوس ديندياس" الذي قام بزيارة "استفزازية" إلى العاصمة التركية الشهر الماضي. كما شدد الوزير التركي على أهمية الحوار "المستمر" لمعالجة الخلافات الثنائية على أساس "حسن الجوار والقانون الدولي والاحترام المتبادل للحقوق والمصالح".
وأضاف تشاوش أوغلو أن تركيا واليونان بدأتا العمل في مشاريع ملموسة تركز على التعاون في العديد من المجالات، بما في ذلك النقل والطاقة والسياحة والبيئة والتجارة. كما أعلن أن البلدين توصلا من حيث المبدأ إلى اتفاق بشأن 25 بنداً.
وختم تشاوش أوغلو زيارته بإعلان لقاء أردوغان ورئيس الوزراء اليوناني "كيرياكوس ميتسو تاكيس" خلال قمة الناتو.
وبناءً على المعطيات السابقة لا شك أن علاقة تركيا مع التحالف الغربي ستخضع لمراجعة هامة.
ولكن كيف تنظر واشنطن لقضية إس-400؟
أوضحت نائبة وزير الخارجية الأمريكية "ويندي شيرمان" خلال زيارتها للعاصمة التركية أن واشنطن لا تزال مصرة على قضية نظام الدفاع الجوي إس-400.
ولا يمكن لتركيا والولايات المتحدة تجزئة علاقاتهما والتركيز على مجالات التعاون المحتملة ما لم يأخذ أردوغان وبايدن زمام المبادرة.
ويمكن للبلدين اتخاذ خطوات إيجابية فيما يتعلق على وجه التحديد بأفغانستان وليبيا وأمن أوروبا الشرقية ومستقبل الناتو والتجارة الثنائية.
وكما يقال فإن الكرة الآن في ملعب بايدن بعد تصريحات أردوغان التي أكد فيها أنه يعتزم "بدء فصل جديد" في العلاقات الثنائية على الرغم من بيان إدارة بايدن المثير للجدل بشأن أحداث عام 1915.
يبقى أن نرى كيف سيستخدم الرئيس الأمريكي دبلوماسية القائد في اجتماعه المباشر مع أردوغان الذي يعرفه منذ فترة طويلة.
ويمكن التكهن بمسار الاجتماع القادم للرئيسين التركي والأمريكي، والذي لا يقل أهمية عن اجتماع أردوغان مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في مايو/أيار 2013، وفق اتجاهين. أولهما إمكانية أن يبذل بايدن جهداً لإصلاح علاقات بلاده مع تركيا رغم كل المشاكل والبدء بخطوات إيجابية. وخصوصاً أنه يأخذ في الاعتبار الآراء المؤسسية لذلك سيتعين عليه أن يتفهم رؤية الرئيس أردوغان لإحداث فرق في العلاقات الثنائية.
ومع أن هذه الخطوة لن تحل الخلافات المتعلقة بـ إس-400 أو المقاتلة إف-35 أو المنظمات الإرهابية مثل ي ب ك/بي كا كا وتنظيم غولن الدموي، لكن من شأنها أن توقف تدهور العلاقات الثنائية أكثر.
أما الخيار الثاني فيتضمن اجراء مجرد اجتماع دبلوماسي يقوم فيه الجانبان باستعراض رؤيتهما حول مجالات الخلاف وتعريف الطرف الآخر بالمخاوف المرتقبة حول هذه الخلافات.
ومن المؤكد أن كلا الزعيمين يتمتعان بالخبرة الكافية لحسن اختيار الكلمات وعدم التصنع فيها. وإذا سار الاجتماع على هذا النحو، فسيستنتج الشعب التركي أن إدارة بايدن لم تغير نهج المسار "السلبي" تجاه تركيا الذي أظهرته خلال الحملة الانتخابية.
وما من شك أن تركيا والولايات المتحدة ستفوّتان وفق هذا الاحتمال، فرصةً هامةً لإصلاح علاقتهما خلال رئاسة بايدن وخصوصاً إذا ما انتهى الأمر بواشنطن منتظرةً موعد الانتخابات التركية عام 2023.
وبالعودة إلى مطلب الاتحاد الأوروبي الواضح لكل من تركيا واليونان لإصلاح علاقتهما، فإن هذا الطلب دفع أنقرة وأثينا للقيام بتحركات دبلوماسية على شكل محادثات استكشافية ستعقد الجولة 63 منها قريباً. وبالرغم من أن المحادثات قد تؤدي إلى تقدم في التجارة والسياحة، إلا أنه لا أحد يتوقع أية خطوات إيجابية فيما يتعلق بحقوق السيادة في بحر إيجه وقبرص وشرق البحر المتوسط.
ولن تتوقف الحكومة اليونانية التي لبّت مطلب الاتحاد الأوروبي من خلال مواصلة الحوار، عن محاولة فرض مطالبها المتطرفة على الكتلة الأوروبية حيث قامت أثينا بخفض التصعيد الحالي عن قصد من أجل تقوية موقفها في قمة الاتحاد الأوروبي.
والحقيقة أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يضللان اليونان بمعاملتهما التفضيلية لها إذ أن تركيا لن تتراجع بحال من الأحوال عن سياستها الخارجية الاستباقية التي بدأت بها منذ 5 أو 6 سنوات. ولن يتخلى الأتراك عن مصالحهم الوطنية في بحر إيجه وشرق البحر الأبيض المتوسط.
لكن الوقت لم يفت بعد لتحويل تلك المسطحات المائية إلى مراكز سلام وتعاون، لأن فكرة أن اليونان لا تستطيع الدفاع عن نفسها إلا إذا أصبحت "حصناً أوروبياً" أو إذا تحولت إلى "قاعدة عسكرية أمريكية" هي فكرة مضللة بشكل رهيب.
إنما تمثل علاقات حسن الجوار بين تركيا واليونان السبيل الوحيد لجعل كلا الطرفين رابحاً ومنتصراً.