مع توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على سلسلة من العقوبات ضد تركيا، تم وبشكل نهائي حسم التساؤلات حول ما إذا كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سيطبقان بالفعل عقوبات على تركيا. وستظهر الأسابيع القليلة المقبلة، نوع العقوبات التي ستطبقها أمريكا على خصومها من خلال قانون العقوبات المسمى اختصاراً "CAATSA" ومن بينها تلك التي سيفرضها ترامب على أنقرة.
ويرجح أصحاب الخبرة أن تواجه تركيا عقوبات معتدلة، نظراً لعلاقة ترامب الشخصية الجيدة مع الرئيس رجب طيب أردوغان، ويعتقد معظمهم أن الخلاف حول شراء تركيا لنظام الدفاع الجوي الروسي إس-400 سينتهي عاجلاً، الأمر الذي من شأنه أن يسهّل الأمور على الإدارة الأمريكية القادمة.
في الوقت نفسه قام القادة الأوروبيون بفرض عقوبات رمزية إلى حد كبير على بلادنا، متصدين بذلك لإلحاح فرنسا واليونان الشديد. وأشار البيان الختامي للقمة إلى الحوار والمصالح الاستراتيجية وجدول الأعمال الإيجابي.
وقد أدى تذكير الأمين العام لحلف الناتو "ينس ستولتنبرغ" بشأن أهمية مساهمات تركيا، إلى جانب المصالح الاقتصادية الألمانية والإيطالية والإسبانية، إلى تأجيل النقاش حول العقوبات الشاملة حتى مارس 2021.
ومع ذلك، فإن التوترات بين تركيا والاتحاد الأوروبي لم تنته بعد بسبب التهديد الأوروبي الذي لا زال قائماً بفرض عقوبات. وهناك ثلاثة أشهر أخرى أمام الطرفين لحل خلافاتهما.
كما أكد القادة الأوروبيون أيضاً على أنهم يريدون تنسيق الجهود المتعلقة بتركيا وشرق المتوسط مع الولايات المتحدة، أي أنهم بعبارة أخرى يفضلون انتظار إدارة جو بايدن، فالحكومات الأوروبية تبدو غير قادرة وحدها على ابتكار سياسة متماسكة تجاه تركيا لأن العقوبات الشديدة ضد أنقرة ستضر بالمصالح الاقتصادية الأوروبية.
وفي الوقت نفسه، لا تستطيع الشخصيات الأكثر تشدداً اتخاذ إجراءات على أرض الواقع بسبب نفوذ تركيا داخل الناتو. ومن هنا جاء الالتزام الأوروبي بانتظار الإدارة الأمريكية المقبلة لدعم حلف شمالي الأطلسي في تطوير سياسته تجاه تركيا.
من الواضح أن بروكسل تود أن تتصرف في انسجام مع واشنطن إذا تسنى لها ذلك، أو على أقل تقدير، معرفة موقف إدارة بايدن من هذه القضية خلال السنوات الأربع المقبلة.
وستظل طبيعة ارتباط التحالف الغربي مع تركيا غير واضحة حتى مارس. بل ستكون معرفة نظرة الإدارة الأمريكية القادمة إلى تركيا ضمن نهج بايدن "أمريكا عادت"، هي المفتاح.
كذلك ستقرر الحكومات الغربية خلال الأشهر المقبلة، الهيكل الجديد لـ "التحالف الغربي" وطبيعة ارتباطه مع تركيا، بشكل من المفترض أن يعتمد بشدة على الواقعية الجيوسياسية عند مواجهة أردوغان الذي حوّل تركيا إلى لاعب مؤثر على المسرح العالمي.
واحتفالاً بانتصار أذربيجان في قره باغ، بعث الرئيس التركي برسائل إلى كبار السياسيين في الغرب وعلى رأسهم بايدن والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
فالرئيس أردوغان بصفته سياسياً متمرساً، يعامل بايدن وماكرون بشكل مختلف. ومن الواضح أن ماكرون مع اقتراب رحيل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مستعد للعب دور أكثر بروزاً داخل الاتحاد الأوروبي.
وبالرغم من خلافاته مع ميركل، تمكن أردوغان من بناء علاقة مع الزعيمة الألمانية قائمة على أسس الاحترام المتبادل. لكن مشكلة ماكرون مختلفة تماماً حيث اتخذت باريس في السنوات الأخيرة قرارات سياسية تتعلق بسوريا وليبيا وقره باغ وقضايا أخرى، تهدف إلى معارضة أنقرة وأردوغان على وجه التحديد.
واستجاب الرئيس التركي لتلك القرارات وربما استمتع بها، فهو يستمتع على ما يبدو بالحرب الكلامية مع ماكرون. وقد أخبر أردوغان المراسلين مؤخراً أن نظيره الفرنسي "سياسي مبتدئ" مضيفاً "من المحتمل أن يكون منزعجاً مني الآن".
وأوضح أن ماكرون "يحاول بشدة الفوز بشيء ما في مكان ما" دون جدوى. وقال أردوغان إن تصرفات ماكرون في لبنان وليبيا وشرق البحر المتوسط وقره باغ تدعم هذا الرأي.
كما أشار الزعيم التركي إلى علاقته طويلة الأمد مع بايدن قائلاً: "كان من بين أولئك الأشخاص الذين زاروا منزلي. والتقيت به عدة مرات في الولايات المتحدة وهو يعرفني جيداً".
ومن الواضح أن هذه الكلمات تعكس استعداد أردوغان لتجاهل تعليقات بايدن السابقة. كما تُظهر أن الرئيس التركي مستعد لبدء فصل جديد بين أنقرة وواشنطن بعد فوز الديمقراطيين بالحكم.
فكيف سيرد بايدن الذي يسعى لأن يكون زعيماً نشطاً داخل التحالف الغربي؟ هذا ما سوف يتضح في الأشهر المقبلة.