أدى تأكيد الرئيس رجب طيب أردوغان على خلق "تكييف جديد للاقتصاد والقانون والديمقراطية" إلى تنشيط البلاد. ولا تزال طبيعة ونطاق واستدامة هذا "الفصل الجديد" أو "الإصلاحات" غير واضحة. لكن يوجد في الوقت الحالي، عدد من حزم الإصلاحات المطروحة على الطاولة التي تهدف إلى استعادة الثقة في نظام العدالة في تركيا وجذب المستثمرين الأجانب.
وستنفذ الحكومة التركية قريباً خطة عمل لحقوق الإنسان، تم إعدادها لمعالجة مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك حماية الحقوق الأساسية وحقوق الملكية. ويبقى أن نرى إلى أي مدى سيعمل هذا "التكييف" الذي وعد به أردوغان، وما إذا كان سيتطور إلى نموذج جديد.
هناك بالتأكيد فرق كبير بين التساؤل عن نطاق الإصلاحات، والتشكيك في النوايا الحقيقية للحكومة. فأحزاب المعارضة التركية رفضت على الفور أجندة أردوغان الإصلاحية ووصفتها بأنها "نموذج استعراضي خارق من الإجراءات". وحجتهم الأساسية كما هي دائماً أن النظام الرئاسي والرئيس التركي غير قادرين على تنفيذ الإصلاحات. وكنت في مقال سابق لي قد شددت على أهمية قدرة أردوغان على التجديد، وقدرته على تحقيق توازن صحي بين الإصلاح والمواجهة.
وبحسب الردود التي كتبت عن ذاك المقال، أبدى مؤيدو حزب الديمقراطية والتقدم، ومؤيدو حزب المستقبل أكثر من غيرهم، استياءً شديداً من تعليقاتي. يبدو أن الأحزاب السياسية التي تشكلت مؤخراً، التي تنتقد إدارة أردوغان من خلال استهداف أفراد عائلته، تشعر بالقلق من الخطر المحيق ببرامجها السياسية. فمن وجهة نظري، هم قلقون من عدم تمكنهم من جذب عدد كبير من ناخبي حزب العدالة والتنمية الحاكم كما كانوا يأملون في البداية، بل من المحتمل أن يفقدوا بعض أنصارهم الحاليين. وقد يضاعف رئيس حزب الديمقراطية والتقدم علي باباجان، الذي كان أكثر صراحةً بشأن انتقاده للحكومة، من حدة خطابه في ضوء التطورات الأخيرة.
لطالما شرحت وأوضحت في السابق أن حزب العدالة والتنمية قادر على إعادة بناء نفسه دائماً على أساس المتطلبات والآثار السلبية لقراراته السياسية. وأنا أرى أن الحزب وافق على مزيج يجمع بين التغيير، والإصلاح والمواجهة، والمقاومة. ولا يخفى على أحد أن تركيا منذ عام 2013 تعطي سياستها الأمنية الأولوية العظمى في مواجهة الاضطرابات الإقليمية والعالمية.
والأسئلة الاساسية هنا تتمثل في فهم كيف يمكن للدولة أن تتخذ إجراءات صارمة ضد الجماعات الإرهابية مثل داعش وبي كا كا وجماعة غولن الإرهابية؟ وهل كانت هناك طريقة أخرى للترويج للنشاط العسكري في السياسة الخارجية وتنفيذ العمليات العسكرية في سوريا؟
كان من الواضح أنه حتى الحرب على الإرهاب سيكون لها ثمن، بغض النظر عن الاضطرابات المتفشية على الساحة الدولية. وإذا ما أضفنا الفوضى التي أججتها رئاسة دونالد ترامب إلى هذا المزيج، سيتضح عندئذٍ أن الطريقة الليبرالية في تفسير ما حدث في تركيا منذ 2013 فيما يتعلق بمزاعم الاستبداد، منفصلة عن الواقع. بل إنها تحليلات ليست عادلةً بالمطلق.
ثم لنسأل، كيف تعاملت وما تزال ديمقراطيات أوروبا التي تصدعت في ظل أزمة المهاجرين والهجمات الإرهابية، مع التحديات التي واجهتها تركيا؟ وما هو التهديد المحدد الذي دفع فرنسا والنمسا إلى ربط "الإسلاموية" بالإرهاب؟ ولماذا يحدّون من حرية المسلمين في إنشاء الجمعيات وممارسة عباداتهم وشعائرهم الدينية؟ ولماذا تستسلم تلك الحكومات للموجة المعادية للإسلام؟
لا يمكن لحزب العدالة والتنمية أن يفرض نفسه على أساس السياسات الكمالية أو الدولة المتشددة أو الاستبدادية. وهنا لا بد من التأكيد من جديد على أن تحولات الحزب إنما تعمل على مستويين، ولا يمكن أن ينجح التحول في مجال واحد يقتصر على الإصلاح والنضال. بل يتعلق نجاح التحول بإقامة توازن صحي بين الديمقراطية والأمن. وهذا ما يفسر توجه أردوغان أحياناً نحو جانب أو آخر.
والإصلاح هو معالجة عواقب النضال الغير مقصودة. وهو يهدف إلى إصلاح المشاكل المرتبطة بمكافحة الإرهاب، وليس منح تصريح مرور مجاني لأولئك الذين يسعون إلى إعادة تصميم المشهد السياسي في تركيا.
وبالمثل، فإن تخفيف الإجراءات المتعلقة بالأمن في المجال الاقتصادي، يختلف عن ترك الاقتصاد التركي عرضة للهجمات الخارجية. كما أن تركيا لا تنوي التخلي عن مبادئ سياستها الخارجية، كما عبّر عن ذلك بوضوح موقفها في الدفاع عن حقوق القبارصة الأتراك ونشر قوات حفظ السلام في أذربيجان.
الرئيس التركي يسعى بعزم إلى تحقيق توازن جديد بين الديمقراطية والاقتصاد والسياسة الخارجية. وقد تم إقصاء أولئك المنزعجين والغير راضين عن جهود الإصلاح من الحزب، أو بمعنى آخر هم اختفوا من تلقاء أنفسهم خلال فترة النضال.