اعترف مجلس الشيوخ الأمريكى الخميس الماضي بما يسمى بـ"الإبادة الأرمنية" باعتماده قراراً بهذا الصدد. والقرار الذي عارضه حلفاء الرئيس دونالد ترامب في مجلس الشيوخ مراراً، مجرد إجراء رمزي غير مُلزم. ولكي يتحول إلى قانون مُلزم يجب أن يعتمده مجلس النواب وأن يوقعه الرئيس ترامب.
يريد مجلس الشيوخ عبر هذا القرار وما سبقه من مشروع قانون العقوبات على تركيا، إحراز تقدم في حملته ضد تركيا قبل عطلة عيد الميلاد. كما يسود جو مشابه في مجلس النواب الأمريكي. لذلك فإن مهمة ترامب، الذي يرى أن سلطاته في السياسة الخارجية مقيدة، ليست سهلةً في إيجاد طريقة لتخفيف الأضرار التي ألحقها أعضاء مجلس الشيوخ بالعلاقات الثنائية التركية الأمريكية. حيث سيتوجب عليه منع الكونغرس والمؤسسات الأمريكية الأخرى من هدم اتفاقياته مع الرئيس رجب طيب أردوغان.
ولسوء الحظ ، أن الكونغرس يتخذ خطوات تؤجج معاداة الأتراك لأمريكا. وإذا افترضنا أن لدى واشنطن مخاوف مشروعة حول نظام الدفاع الجوي الروسي إس-400 وتأثيره على التفوق الجوي الأمريكي، فكيف نفسر اعتراف مجلس الشيوخ بما يسمى بالإبادة الأرمنية؟
وفي الوقت نفسه، فإن ليبيا المنقسمة وغير المستقرة منذ عام 2011، عندما أطاحت الثور بنظام معمر القذافي بدعم من الناتو، مدرجة على الأجندة المزدحمة لسياسة تركيا الخارجية لعام 2020.
ورغم تأسيس "فايز السراج" حكومة جديدة بموجب اتفاق سياسي، باعتراف الأمم المتحدة، إلا أن القوات الموالية لخليفة حفتر منعت إعادة توحيد ليبيا المقسمة. وهو يستعد اليوم "لهجوم نهائي" للاستيلاء على العاصمة طرابلس، بدعم عسكري من الإمارات العربية المتحدة ومصر وفرنسا وروسيا.
تركيا، التي أوقفت هجوماً مماثلاً في أبريل، قد وقّعت مؤخراً مذكرتي تفاهم - إحداهما بشأن التعاون العسكري والأخرى بشأن ترسيم الحدود البحرية- مع حكومة طرابلس. وقال الرئيس أردوغان بعدها إن تركيا ستفكر في نشر قوات عسكرية في ليبيا إذا ما طلبت حكومة "السراج" منها ذلك، الأمر الذي أثار دهشة العالم.
لقد شدّت المحاولة الأخيرة التي قام بها حفتر للاستيلاء على طرابلس أنظار العالم إلى ليبيا مرة أخرى. وهناك الكثير من التساؤلات تلوح في الأفق: هل تستطيع طرابلس الدفاع عن نفسها دون الحاجة إلى طلب مساعدة عسكرية من تركيا؟ وإذا طلب الليبيون قوات عسكرية ووافقت تركيا، فكيف ستكون موازين القوى في ليبيا؟ وما هو تأثير تطورات الوضع الليبي الأخيرة على القمة الدولية، المقرر عقدها في برلين الشهر المقبل؟ وكيف سيكون رد فعل القوى المشاركة في النزاع الليبي تجاه تحركات تركيا المحتملة؟
مؤكد أن الإجابة على هذه الأسئلة بشكل آني أمر صعب. ولكن من الواضح أن اتفاقيات تركيا مع الحكومة الشرعية في طرابلس، أدت إلى زعزعة حكوماتٍ عديدة. فقد اجتمع عدد من زعماء الاتحاد الأوروبي في بروكسل الأسبوع الماضي، للادعاء بأن مذكرة التفاهم التركية الليبية بشأن المناطق البحرية، تنتهك "الحقوق السيادية لبلدان أخرى". وبهذا يكون الاتحاد الأوروبي قد انحاز إلى اليونان والقبارصة الروم، الذين يحاولون اقتسام شرق البحر المتوسط بطريقة غير عادلة.
ولكي نكون واضحين، فإن الاتحاد الأوروبي ليس قادراً على حظر اتفاق أنقرة مع طرابلس. لأن الأتراك وثّقوا هذا الاتفاق بالفعل مع الأمم المتحدة. ومع ذلك، تواجه الحكومة الشرعية في طرابلس تهديداً شديداً غير مسبوق، وسيكون على أنقرة منع قوات حفتر من الإطاحة بها. ولهذا، من المتوقع أن تزداد التحركات الدبلوماسية والعسكرية المتعلقة بليبيا قريباً.