يحضر الرئيس رجب طيب أردوغان اجتماع قادة الناتو في لندن اليوم الأربعاء، بعد سلسلة من الاجتماعات مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يوم أمس الثلاثاء. وسيفتتح الرئيس أردوغان مسجداً محلياً في كامبريدج على هامش الاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس الحلف.
وتأتي زيارة الرئيس التركي إلى المملكة المتحدة على خلفية الانقسام المتزايد بين أعضاء حلف الناتو، مما يجعل هذه الزيارة ذات أهمية أكبر. فالتحالف يحتاج أن يعيد النظر في استراتيجيته بشدة، وذلك بهدف معالجة المخاوف الأمنية لأفراده بشكل أفضل. ولا يبدو الوضع الحالي للمنظمة مرضياً لأيٍ من الرئيس الأمريكي أو التركي أو الفرنسي. ويعتقد "أندرز فوغ راسموسن"، الأمين العام السابق لحلف الناتو، أن القمة التي ستستمر يومين ستكون "اجتماعاً محفوفاً بالمخاطر" بسبب انتقاد الزعماء الثلاثة الشديد الموجه للحلف.
قد تستجيب الدول الأوروبية في هذا الاجتماع لتوقعات الرئيس الأمريكي بموافقتها على تحمل عبء الدفاع المشترك المالي، الأمر الذي سيكون بمثابة هدية لترامب يستخدمها في حملته الانتخابية. أما ماكرون، الذي فشل في إقناع ميركل، فهو لن يتمكن من تحمل مسؤولية "موت الناتو السريري" أكثر من ذلك. دعونا نتذكر أن المستشارة الألمانية، لطالما انتقدت التقدم الذي أحرزته فرنسا بقولها: "كم مرةً يتوجب علي أن أقوم بلصق الكؤوس التي كسرتها حتى نتمكن من الجلوس لتناول كوب من الشاي معاً". أما عن حرب الكلمات بين ماكرون وأردوغان، فلنتذكر أن الرئيس الفرنسي يميل في الاجتماعات العامة إلى التصرف وجهاً لوجه.
في الوقت نفسه، تحمل أجندة الرئيس التركي قضايا سوريا والمنطقة الآمنة المقترحة والمساعدة المالية للاجئين. وسيدفع أردوغان التحالف أيضاً لإدراج تنظيم "ي ب ك/بي كا كا" الدموي ككيان إرهابي. وذلك لأن أنقرة كانت في الأسبوع الماضي، قد اوقفت خطط حلف الناتو في بحر البلطيق بسبب اعتراضات أفراد من الحلف على تصنيف "ي ب ك" منظمة إرهابية.
من ناحية أخرى، اتخذت تركيا خطوة رئيسية قبل قمة هذا الأسبوع بمسعىً منها لتغيير ميزان القوى في شرق البحر المتوسط. إذ وقعت الدولة مذكرة تفاهم مع ليبيا يتعلق بالحدود البحرية. ومن المرجح أن تحاول اليونان التي لم ترتح لهذه المبادرة إثارة هذه القضية في اجتماع قادة الناتو.
يبقى أن نرى ما إذا كانت قمة لندن ستمهد الطريق للاحتفالات بالذكرى السنوية لتأسيس الحلف، بطريقة تتعدى صياغة تقرير جديد عن الوضع أو جدال بين القادة من شأنه أن يستعرض فقط الأزمات التي تهدد وحدة التحالف.
ومع تباين تشخيص الحالة الراهنة لما يمر به الحلف، يرى بعض الخبراء أن حلف الناتو أصبح منظمةً تعاني من "آلام الإصلاح". بينما يعتقد آخرون أن الحلف بات يواجه أزمة وجود. لكن تركيا لا توافق على وصفه بـ "الميت سريرياً". ويعزي مؤيدو الرأي الثاني حول ما يواجهه حلف الناتو من أزمة وجود، فشله في دعم موقف تركيا في الصراع السوري وحملة مكافحة الإرهاب التركية ضد ي ب ك/بي كا كا، إلى أن الحلف بات عاجزاً عن مواجهة التهديدات الناشئة والمتزايدة. لذلك كله تدعو أنقرة حلفاءها في الحلف إلى تحديث المنظمة والحفاظ عليها بعد أن بلغت 70 عاماً. إن وجهة نظر تركيا بشأن الناتو تتفق بالفعل مع دعوة أردوغان القديمة لإصلاح الأمم المتحدة.
وفي مسعى تركي لدفع جهود البلاد في ليبيا نحو الامام، وقعت تركيا اتفاقيتين معها. تتعلق الأولى بالمناطق الاقتصادية الحصرية التركية والليبية كجارتين تتشاركان البحر المتوسط. وبذلك ألغت تركيا ما يسمى بخريطة إشبيلية، التي تهدف إلى تقليص المنطقة البحرية التركية إلى 41000 كيلومتر مربع فقط.
وفي الوقت نفسه، وضع الأتراك بهذه الاتفاقية حداً لمساعي كلاً من إسرائيل ومصر واليونان وقبرص الرومية لتقسيم البحر المتوسط فيما بينهم، عن طريق نشرهم سفن حربية بالقرب من قبرص، حيث تستمر أنشطة الحفر التركية. وتعتزم أنقرة إبرام المزيد من المعاهدات الثنائية لتعزيز موقفها السياسي والدبلوماسي.
أما عن اتفاق تركيا الثاني مع ليبيا، فهو يتعلق بالتعاون الأمني والعسكري. إذ يسعى خليفة حفتر، بدعم من مصر والإمارات العربية المتحدة، إلى الإطاحة بالحكومة الشرعية الليبية المعترف بها في الأمم المتحدة. وبذلك، فالاتفاقية التركية الليبية الثانية تشهد على دعم تركيا الصريح لطرابلس، وقد أثبتت هذه الاتفاقية أن ليبيا ستلعب دوراً أكبر في تحقيق التوازن بين القوى العظمى.