مع اقتراب تسليم نظام الدفاع الصاروخي إس-400، تتصاعد التوترات بين تركيا والولايات المتحدة. والأتراك ملتزمون بشراء النظام الروسي رغم تهديدات واشنطن. كما أن رسالة البنتاغون الأخيرة إلى وزير الدفاع خلوصي أقار، والتي تضمنت قائمة طويلة من التهديدات، لم تغير رأي أنقرة. في كلمته أمام المؤتمر البرلماني لحزب العدالة والتنمية يوم الثلاثاء، نقل الرئيس رجب طيب أردوغان تصريحاته السابقة إلى المستوى التالي: "أنا لا أقول إن تركيا سوف تشتري نظام الدفاع إس-400. تركيا تمتلكه بالفعل. فنحن قد أبرمنا الصفقة فعلاً. لقد وقعنا عقداً بسعر معقول، وحققنا وعداً بالإنتاج المشترك. وإن شاء الله سيتم تسليم إس-400 إلى بلدنا الشهر المقبل".
وأضاف وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو يوم الجمعة "سنتخذ إجراءات مضادة للرد على العقوبات الأمريكية المحتملة"، محذرا من أن "الناتو يحمي فقط 30 في المئة من المجال الجوي التركي". وقد جاء رد المتحدث باسم البنتاغون الكولونيل مايك أندروز مثيرا للفضول، إذ أكد أن الولايات المتحدة تقدر علاقتها مع تركيا، شريكها الاستراتيجي، وأشار إلى أن العلاقات بين البلدين لا تقتصر على برنامج إف-35.
كيف يمكننا فهم هذا البيان، الذي لا يتماشى مع تهديدات البنتاغون المستمرة؟ هل يمكن أن تتحسن الأمور قريباً؟ هل قام أندروز ببادرة حسن نية قبل اجتماع أردوغان القادم مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اليابان؟
هناك نقاش داخلي مستمر بين الوكالات حول تركيا. فالولايات المتحدة تناقش كيف ينبغي لها أن ترد على الأتراك الملتزمون بشراء نظام الدفاع إس-400، وكيف يمكنهم إدارة الاصطدام القادم لا محالة؟ بمعنى آخر، هم يحاولون معرفة كيف يمكن إنقاذ علاقات واشنطن مع تركيا من حافة الانهيار.
لا زالت استنتاجاتهم غير واضحة، ولكن هناك ثلاثة خيارات متاحة لصناع القرار في الولايات المتحدة. أولاً، ستقوم واشنطن بتنحية تركيا عن برنامج إف-35 وفرض عقوبات اقتصادية شديدة عليها. إذا اختارت الولايات المتحدة هذا الخيار، الذي يدافع عنه البنتاغون والكونغرس، فسيُذكر يوليو 2019 كنقطة انهيار تاريخية في العلاقات الثنائية.
الخيار الثاني ينطوي على تنحية تركيا عن برنامج إف-35 دون مزيد من الخطوات العقابية. في هذه الحالة، على الإدارة أن تمنع الكونغرس من إصدار قرارات عدوانية بشأن أنقرة. وهكذا يمكن للولايات المتحدة أن تمنع تركيا من مواصلة تعزيز تعاونها الدفاعي مع روسيا. كما أنه سيترك مجالاً للتعافي.
الخيار الثالث والأخير هو قبول عرض تركيا من خلال تشكيل لجنة مشتركة لنظام إس- 400 والحفاظ على التعاون في برنامج إف-35 وفي أي مجال آخر. ورغم موافقة ترامب على هذه الطلبات، إلا أنه من غير المرجح أن توافق عليها واشنطن.
التصريحات التي أدلى بها أردوغان و مولود تشاوش أوغلو، تركت الكرة في ملعب واشنطن. والعقوبات المتبادلة قد تؤدي إلى زيادة الضغط على العلاقات التركية الأمريكية. في حين كانت أنقرة تحاول، لفترة طويلة، التخفيف من حدة تلك التوترات بتجزئة علاقاتها مع واشنطن. ومع ذلك، لم تف واشنطن بأي من وعودها للأتراك منذ عام 2013، وتجاهلت المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا.
كما لم تتخذ أي خطوات لمعالجة مظالم الأتراك بشأن قضية "بنك خلق"، أو اتفاقية منبج، أو تسليم فتح الله غولن، أو الدعم العسكري لإرهابيي "ي ب ك"، عدا عن المنطقة الآمنة المقترحة في شمال سوريا، التي لا تزال على الطاولة، أيضاً.
ومؤخراً، رأينا تقارير إعلامية حول قيام واشنطن بتسليم مركبات مدرعة لمقاتلي "ي ب ك" الإرهابيين.
يبدو أن لقاء أردوغان القادم مع ترامب يمثل آخر فرصة للخروج من هذه الفوضى.