خطوط المعركة الانتخابية عبر الساحة السياسية في تركيا تم رسمها بالفعل، تحضيراً للانتخابات البلدية التي ستجري في شهر آذار 2019 .
في الزاوية الحمراء، تحالف الشعب، الذي يرجع أصله إلى المقاومة الشعبية ضد متآمري الانقلاب في يوليو 2016. فقد اجتمع حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية مرة أخرى لتعزيز النظام الرئاسي الذي صوت الشعب لصالحه رسمياً عام 2018. وقد وقف تحالف الشعب في وجه القوى المختلفة التي حاولت إيقاف تقدم تركيا. وعلى حد تعبير الرئيس رجب طيب أردوغان، فإن الطرفين يجمعهما "الحد الأقصى من الوضوح" وشراكة إستراتيجية.
في الزاوية الزرقاء، نجد تحالفًا تكتيكيًا بين "كمال قلجدارأوغلو"، رئيس حزب الشعب الجمهوري، وآخرين. وهي شراكة تكتيكية لأنها لا تطرح جدول أعمال إيجابي لمستقبل تركيا. وبدلاً من ذلك ، فإن سبب وجود هذا التحالف هو تنحية أردوغان عن السلطة وتحدي مكانة حزب العدالة والتنمية القديمة كقوة مهيمنة في السياسة التركية. ولهذا الغرض، يعمل رئيس حزب الشعب الجمهوري على تسهيل التعاون بين الحركات السياسية التي تحمل وجهات نظر متباينة، بما في ذلك الكماليين الجدد والقوميين الأكراد واليساريين، تحت نفس المظلة.
إن تحالف "كمال قلجدارأوغلو" وشركاؤه أكبر من التحالف الرسمي بين حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد. وبسبب عدم تمكن حزب الشعوب الديموقراطي من خوض الانتخابات البلدية في سبع مناطق، بما في ذلك إسطنبول وإزمير وأضنة، كرّس ثقله الانتخابي لدعم حملة حزب الشعب الجمهوري. وبعبارة أخرى، فإن حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي، اللذان عملا معا ضمنيا في الانتخابات العامة في يونيو 2018، نقلا علاقتهما إلى مستوى أعلى. وإضافة إلى التوصل إلى اتفاق تكتيكي مع حزب الحرية والتضامن، بدأ "قلجدارأوغلو" في تقديم عروض إلى حزب السعادة في ولاية أديامان. فجبهة المعارضة الناشئة هي إذاً إنجاز من الهندسة الانتخابية لرئيس حزب الشعب الجمهوري. ومن هنا فإن "كمال كيليجدارأوغلو" قد استبدل تحالف الأمة بـتحالف "كمال قلجدارأوغلو" وشركاؤه .
منذ أن تولى منصب زعيم المعارضة الرئيسي، خسر "كمال قلجدارأوغلو" 8 انتخابات متتالية ضد أردوغان وفشل في قيادة حركته إلى السلطة. يعوض رئيس حزب الشعب الجمهوري عن افتقاره للدعم الشعبي بمهارتين حيويتين: الأولى، مهارة النجاح في التشبث بالسلطة داخل الحركة رغم خسارته الانتخابات تلو الأخرى. ومؤخراً، نجا الرجل من تحدي من قبل "محرم إنجي"، مرشح حزب الشعب الجمهوري الرئاسي، وقام بفرض خياراته بشأن مرشحي رئاسة بلدية إسطنبول وأنقرة وأزمير على مختلف الأحزاب المشاركة، من خلال تحديد توقيت تحركاته بشكل صحيح. وبذلك فإن حزب المعارضة الرئيسي حتى وإن خسر الانتخابات المقبلة ، فسيكون لدى رئيسه مجموعة من رؤساء البلديات المخلصين والموالين. وسيكون "قلجدارأوغلو" في سلام وهدوء على مدى السنوات الأربع المقبلة.
إن الورقة القوية في يد رئيس حزب الشعب الجمهوري هي التحالفات الانتخابية. وبعد أن قاد حملة المعارضة في انتخابات يونيو 2018، أمسك "قلجدارأوغلو" زمام الأمور بيديه مرة أخرى قبل الانتخابات البلدية عام 2019. لكنه في هذه المرة، أجبر حزبه وحزب الجيد وحزب السعادة علانية على كسر عزلة حزب الشعوب الديمقراطي.
وإذا كنت تتساءل عن السبب في اعتبار كسر العزلة السياسية لحزب الشعوب الديمقراطي أمراً سيئاً، فعليك أن تتذكر أن الحزب قد فشل في الابتعاد عن تنظيم "ب كا كا" الإرهابي عندما عاد إلى العنف في يوليو 2015 وحوَّل المدن في جميع أنحاء جنوب شرق تركيا إلى ساحة معركة. واليوم، يواجه العديد من السياسيين الذين شاركوا في قيادة حزب الشعوب الديمقراطي في ذلك الوقت، بما في ذلك "صلاح الدين ديميرطاش"، تهماً بالإرهاب. وعلى الرغم من أن الحزب نفسه غير قانوني، فإنه بالتأكيد لم يبذل أي جهد للتخلي عن ماضيه السيء.
تواجه الحركات العرقية الانفصالية استجابات واسعة في العديد من البلدان، بما في ذلك إسبانيا، حتى لو لم تكن متورطة في أعمال إرهابية. أما في تركيا، فإن حزب الشعوب الديمقراطي يخط مساراً دقيقاً في نفس الاتجاه.
ومن هنا جاءت تصريحات أردوغان الأخيرة حوله: "إن حزب الشعب الديمقراطي يساوي ب كا كا ويساوي ي ب ك ويساوي ب ي د. ولكي نكون واضحين، فإن قادة تلك التنظيمات أنفسهم يرددون نفس المقولة. وإن انضمام حزب الجيد وحزب السعادة إليهم لهو أمر يصعب استيعابه بل يستعصي على الفهم".
إن إستراتيجية "قلجدارأوغلو" الانتخابية تمنح شريان حياة لحزب الشعوب الديمقراطي، بل أنه بذلك يهدد بإقصاء القوميين من بين ناخبي حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد. وبقيامه بذلك، فإنه يضيف أزمة هوية إلى المزيج السام الذي يعمل على دب الفرقة بين النخب الحزبية. ومن المفارقات، أن الإنجازات التكتيكية لرئيس حزب الشعب الجمهوري تمهد الطريق أمام هزيمة إستراتيجية مستقبلية.
أما الأنباء السيئة لحلفائه، فهي أنهم سيخسرون أكثر من خسارة "قلجدارأوغلو" نفسه.