يستمر الجدل السياسي في تركيا مع التقدم البطيئ نحو تشكيل التحالفات الانتخابية، وإعلان الأحزاب السياسية المختلفة مرشحيها للانتخابات البلدية القادمة في مارس 2019.
وفي الوقت نفسه، هناك الكثير من اللغط حول عملية عسكرية وشيكة في شمال شرق سوريا. في الوقت الذي تدعو فيه المعارضة لإطلاق الاحتجاجات في الشوارع على وقع اتهامات بالدكتاتورية والتفرد باتخاذ القرارات من قبل الحزب الحاكم.
وبالرغم من الأشهر التي لا تزال تفصل البلاد عن انطلاق الانتخابات البلدية، فإن تركيا تبدو متحمسة لبدء الحملات الانتخابية. ومن اللافت أن الانتخابات القادمة تذكرنا بعوامل كثيرة كانت قد حكمت الانتخابات البلدية السابقة في مارس 2014.
ومن العوامل المتشابهة بين انتخابات 2014 والانتخابات المقبلة أن الأولى كانت قد أُجريت على خلفية الاضطرابات التي سببتها احتجاجات حديقة غيزي منذ نحو خمس سنوات، في حين تهيمن أجواء القتال ضد المنظمات الارهابية بما في ذلك ب كا كا وجماعة غولن الإرهابية على الانتخابات المقبلة. الأمر الذي يثير مخاوف مشروعة حول مستقبل الأمن في البلاد بل ربما مستقبل الاستقرار فيها.
والواقع أنه في الوقت الذي يشجع فيه أصحاب "السترات الصفراء" في فرنسا بعض الجماعات المعنية بالبحث دائماً عن عذر للخروج إلى الشوارع، وإلى إثارة أعمال شغب، يستمر الرئيس رجب طيب أردوغان بتذكير المعارضة أن العنف وأعمال الشغب في الشوارع ليسا من ضمن الخيارات المجدية.
ولنبدأ بالتحالفات الانتخابية: لقد أصبح من الواضح أن الأحزاب السياسية بأطيافها المختلفة ستشارك، ولو جزئيا على الأقل، في الانتخابات البلدية في مارس 2019
لقد قام كلا من حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد بإبلاغ مؤيديهم كيف عمل تحالفهما بالضبط لكسب أصوات المدن الأعلى كثافة سكانية في تركيا.
مع أن حزب الشعب الجمهوري كما يبدو يعمل على الاستفادة من هذا التحالف بشكل غير منصف، فهو يخطط لخوض الانتخابات منفرداً في أكبرالمدن التركية، مثل إسطنبول وأنقرة.
وخلال الأسابيع المقبلة، سيحاول رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدارأوغلو اتخاذ إجراءات صارمة ضد تيارات التمرد التي تجتاح منظمته الحزبية، والبحث عن سبل لإبرام تعاون حزبه مع حزب الشعوب الديمقراطي.
في غضون ذلك، أعلن حزب الحركة القومية أنه لن يخوض الانتخابات المقبلة في ثلاث مناطق رئيسية.
بينما لا تزال قرارات الأحزاب في ست مدن أخرى قيد التفاوض، حسبما تشير المصادر.
ومع ذلك، لا يوجد قلق حقيقي حتى الآن بشأن التراجع عن التحالفات أو كسر الاتفاقيات، وبعبارة أخرى، فإن انتخابات مارس 2019 على الأغلب ستضع مجموعتين من الأحزاب المتحالفة في مواجهة بعضهما البعض مرة أخرى.
وبالاضافة إلى الأطر الخاصة بتلك التحالفات، وكون المرشحون أنفسهم عاملاً مهما، فإن خطاب الحملات الانتخابية وإستراتيجياتها، سيلعبان الدوراً الأكبر على الإطلاق.
وأعتقد أن التحالفات ستتبنى نهجاً ذا اتجاهين: أولا، سوف يتنافس المرشحون لرئاسة بلدية العاصمة على المستوى الفني والخدمي من خلال تسليط الضوء على مشاريعهم الأكثر تميزاً. وبالطبع سوف تشعل هذه المنافسات المحمومة مواجهات بين كتل الأحزاب ضد بعضها البعض مع جانب من لغة معتدلة.
في الوقت نفسه، سيخوض قادة مختلف الأحزاب السياسية حربًا كلامية حول قضايا أوسع.
الحقيقة أنهم بدؤوا بالفعل باستهداف بعضهم بشأن مكافحة الإرهاب، والشائعات حول احتجاجات غيزي بارك الجديدة، وتعاونهم المحتمل مع حزب الشعوب الديمقراطي .
ويبدو أن أحزاب المعارضة سوف تتبنى خطابًا اقتصاديًا شعبويًا، مع إشارات متكررة إلى الحد الأدنى للأجور والبطالة والتضخم.
وبناء عليه فإن كليجدارأوغلو ورئيسة حزب الجيد ميرال أكشينار سينفقان على الغالب المزيد من الوقت على هذه القضايا في مرافعاتهما الأسبوعية أمام البرلمان. وسيكون من الواضح أن إضافة العِداء اتجاه اللاجئين السوريين في هذا المزيج، سوف يضر بالديمقراطية التركية أيما ضرر.
وكذلك يمكن لكليجدارأوغلو بصفته زعيم أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، أن يعرّض مستقبله السياسي لمخاطرة كبيرة فيما إذا نهج طريقة العِداء ذاتها للّاجئين السوريين في خطابه الانتخابي.
على النقيض من ذلك، تسعى زعيمة حزب الجيد إلى دفع واستبعاد النزعة الشعبوية القومية، على الرغم من أن تلك النزعة ذاتها تحظى الآن بشعبية لا حدود لها في العديد من الدول الديمقراطية حول العالم.
لقد نجح حتى الآن خطاب الرئيس أردوغان الجامع بالاضافة إلى قيادته القوية، تركيا بعيدا عن دوامة المشاعر المعادية للاجئين. إن التذمر من اللاجئين السوريين ومدى مساعدة حكومة حزب العدالة والتنمية لهم يمكن أن يقوض السياسة العامة ويؤدي إلى تهميش حزب الشعب الجمهوري إذا كانت أفعاله ترقى إلى كره الأجانب.
ومن الملاحظ أن حزب العدالة والتنمية تمكّن من الحد من الآثار الجانبية السلبية للموجة الشعبوية العالمية، مثل كراهية الأجانب، ومنع تفشيها في الداخل التركي.
ولنتذكر دائماً أن الاتحاد الأوروبي قد تعرّض لزعزعة شديدة بسبب تدفق مليون لاجئ إلى أوروبا. فيما لا يزال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ورطة. وهناك تقدم طفيف فيما يتعلق بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن نتائجه الدقيقة تبقى لغزاً محيراً، بالاضافة إلى تزايد التطرف اليميني في جميع أنحاء القارة الأوربية كما بينت حركة السترات الصفراء بوضوح.
وليس خافياً على أحد أن الحركات الشعبية التي تستغل "المصاعب الاقتصادية" يمكن أن تضعف سياسة الأحزاب في فرنسا بشدة لأن مثل هذه الحركات تميل إلى تهميش الأحزاب السياسية التي تحاول تحريضهم.
على النقيض من ذلك، تمكنت الديمقراطية التركية من تحمل الاضطرابات الخطيرة على مدى السنوات الخمس الماضية.
ولا يمكننا تجاهل أهمية الوعي السياسي والوطني الذي تجلى خلال محاولة الانقلاب في 15 يوليو2016 وكيف حول هذا الوعي مسار الأمة التركية.
وبنظرة عميقة، فقد شهدت تركيا أزمات مماثلة لتلك التي تنتشر في أوروبا اليوم واعتمدت نظامًا جديدًا للحكومة للتغلب عليها. لذلك لا يوجد سبب للشك في قدرتها على إدارة الأزمات في المستقبل.