ستشكل انتخابات 24 يونيو 2018 نقطة تحول للأحزاب السياسية والسياسيين في تركيا. إذ سيضطر عدد كبير من الأفراد، إلى مغادرة الساحة السياسية إلى الأبد في يوم الانتخابات. بينما يريد تحالف الشعب "تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية" خمس سنوات أخرى لإضفاء الطابع المؤسسي على النظام الرئاسي، الذي تم تبنيه في العام الماضي، وإعادة هيكلة القطاع العام؛ تعد المعارضة بالمقابل، باستعادة النظام البرلماني مباشرة بعد انتخاب أحد ممثليها لمنصب الرئيس.
وعلى الرغم من أن إعادة جدولة الانتخابات جعلت الأمور أصعب قليلاً بالنسبة إلى أحزاب المعارضة، فلا خيار أمامها سوى تقديم أفضل ما لديها من أجل البقاء في إطار القواعد الجديدة للعبة. يشير انتقال 15 برلمانياً من حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي إلى الحزب الجيد الذي تشكل مؤخراً إلى جانب المحادثات الجارية بين الحزبين وحزب السعادة لإطلاق حملة رئاسية مشتركة، أن المعارضة تأخذ الانتخابات القادمة بجدية بالغة.
في الأيام الأخيرة، زعم نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل أن الأمر سيدفع حزب العدالة والتنمية إلى "الجنون" من خلال اتخاذ عدد من الخطوات الأساسية حتى 24 يونيو. وفي سعيهم للتخلص من الرئيس رجب طيب أردوغان، يحرص قادة المعارضة على محاولة أي شيء. كانت أولى خطواتهم المثيرة للجدل هي نقل 15 برلمانياً إلى فصيل منافس وهو ما ذكّر العديد من الأتراك بواقعة "Güneş Motel" سيئة السمعة. ومن الواضح أنه ما زال لديهم ألاعيب إضافية في أيديهم سيستنفدونها خلال الأسابيع القادمة.
في الوقت الحالي، تعتزم المعارضة إنشاء مخطط يجمع بين العوامل المحلية والدولية. لم تتوقف وسائل الإعلام الغربية، على سبيل المثال، عن محاولة الترويج لعبد الله غول أو ميرال أكشنار باعتبارهما من المنافسين الأقوياء لأردوغان. ولا يخفى على أحد أن هؤلاء الأفراد سيكونون مدعومين بتغطية مواتية من وسائل الإعلام الدولية إذا ما قرروا الترشح للرئاسة. وسوف يسارع المعلقون الغربيون إلى الحديث عن صعود القوى الديمقراطية ضد حكم الفرد في ظل هذه الظروف.
البند الأول في جدول أعمال المعارضة هو العثور على مرشح رئاسي مناسب. خلال الأيام القليلة المقبلة، سوف يفكر قادة المعارضة طويلاً وبقوة بشأن عدد من المنافسين المحتملين. في الوقت نفسه، لن يدخروا جهدا في محاولة تشكيل تحالفات انتخابية. من المحتمل أن ينسحب كمال قليتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري من المنافسة لصالح مرشح يميني، وقد تنسحب ميرال أكشنار من السباق لتحقق مصلحتها. وبالمثل، يمكن للحملة الانتخابية للمعارضة الاستفادة من الحجج المتطرفة والراديكالية. في واقع الأمر، ألمح قليتشدار أوغلو إلى أن حملة المعارضة ستستقطب بالحديث عن "انقلاب 20 يوليو" في البرلمان في إشارة إلى إعلان حالة الطوارئ بعد محاولة الانقلاب في عام 2016.
أتفهم أن قادة المعارضة قد استنتجوا بالفعل أن طرح خياراتهم العليا في الجولة الأولى والتوحد وراء خصم أردوغان في الجولة الثانية لن يخدم سوى مصالح تحالف الشعب "تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية". لذا، فهم يريدون على الأقل محاولة العثور على مرشح قادر على التنافس على شغل المنصب في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية عن طريق توحيد المعارضة حول غول أو أي مرشح يميني آخر. إذا نجحت جهودهم، فسوف يتنافس ثلاثة مرشحين في الجولة الأولى: أردوغان، ومرشح حزب الشعوب الديمقراطي، ومرشح ثالث مدعوم من قبل الجميع.
على هذا النحو، فالفكرة هي حرمان صاحب الصدارة من الفوز في الدور الأول والحصول على دعم حزب الشعوب الديمقراطي غير المباشر في الجولة الثانية. السبب وراء استبعادنا لقبول حزب الشعوب الديمقراطي تحالفا محتملا في الجولة الأولى، هو أنه سيجعل الأمور أسهل بالنسبة إلى أردوغان من خلال استبعاد الناخبين الوطنيين والكماليين الجدد. المعارضة مستعدة لتجربة كل شيء، لأنها تخشى أن يتم محوها بالكامل في الانتخابات. من الواضح أن بعض السياسيين، مثل قليتشدار أوغلو، يمكنهم أن يختاروا البقاء في البرلمان ورئاسة أحزابهم بدلاً من السعي إلى الترشح لرئاسة الجمهورية. حتى إذا التزموا بخططهم، من المهم ملاحظة أن الطبيعة المتغيرة للسياسة التركية ستجبرهم على الخروج من السلطة. في نهاية الأمر، فإن تركيا تتجه إلى انتخابات تاريخية في 24 يونيو.
ويعلم ممثلو النظام القديم أنه لن يبقى هناك مكان لهم في الساحة السياسية الناشئة ما لم يقدموا مرشحا للمنافسة ضد أردوغان. من عجيب المفارقات هنا أن محاولات المعارضة وخطواتها الأخيرة تبدو قائمة على الفوضى بدلاً من بنائها على مقاربات منطقية. دعونا نوضح أمراً مهماً: إن الشعب التركي يصوت لصالح التغيير إذا تعهد بالاستقرار، لا الفوضى والارتباك.