بوتين يحول انتصاره في سوريا إلى ورقة انتخابية

ديلي صباح ووكالات
إسطنبول
نشر في 29.12.2017 00:00
آخر تحديث في 30.12.2017 00:22
بوتين يحول انتصاره في سوريا إلى ورقة انتخابية

كان ترشح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها العام القادم أمراً بديهياً وما تأخيره إعلانه الترشح إلا تكتيكاً سياسياً تماماً كما إعلانه سحب قسم من القوات المسلحة الروسية المشاركة في عمليات قتالية في سوريا.

يقول الخبير في مجلس الشؤون الدولية الروسي يوري بارمين، الذي يغطي شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إن تقليص عدد القوات الروسية في سوريا ما هو إلا تكتيك سياسي يتبعه الرئيس بوتين في إطار حملته الانتخابية الرامية إلى إقناع الجمهور محليًا ودوليًا، بأنه نزع فتيل الحرب في سوريا ونجح بإلحاق الهزيمة بتنظّيم داعش.

ويظهر ذلك جليًا في تحركاته الأخيرة، بما في ذلك أول زيارة قام بها لقاعدة "حميميم" الجوية الروسية في محافظة اللاذقية غربي سوريا، بهدف إظهار أنه الطرف المنتصر في هذه المعركة.

وقد سبق للرئيس الروسي أن أعلن في مارس/آذار 2016، انسحابا جزئيا مماثلا للقوات من سوريا، لكنه ضاعف على أرض الواقع وجوده العسكري، وهذا هو السبب في أن المراقبين يشككون في نوايا بوتين هذه المرة.

وبينما يعكس القرار الواقع المتغير على الأرض، حيث إن القتال ليس مكثفًا كما كان عليه قبل عام فقط، فإنه يخدم أيضًا طموحات بوتين في الداخل، وكذلك على الساحة العالمية.

* إعادة الانتخاب:

يتطلع بوتين إلى أن يتم انتخابه مجددًا في مارس/آذار 2018، وقد بدأ حملته الانتخابية الرئاسية فعلاً، ولا شيء يقف بينه وبين ولاية أخرى تستمر 6 سنوات في الكرملين سوى التحدث خلال الحملة عما يتوقعه العالم من الرئيس الروسي في السنوات الست المقبلة.

وفي حين لم يحقق بوتين إنجازًا كبيرًا على الجبهة الداخلية التي تعتبر أساسًا لكسب دعم الروس، إلا أن إنجازات سياسته الخارجية جعلته يظهر في صورة السياسي القوي. بعبارة أخرى، مع تواصل الصعوبات التي يعانيها الاقتصاد الروسي ازداد استخدام النظّام الروسي للعمليات العسكرية سبيلًا لتعزيز صورته عالميًا وتقوية الدعم الداخلي.

وبهذا يترسّخ اعتبار العظمة القومية كمقابل للرفاهية الاقتصادية أساسًا لدى الفكر الروسي الجديد.

وتحتل سوريا أهمية كبيرة بالنسبة إلى طموحات بوتين السياسية، حيث تمكنت روسيا من إعادة تأكيد نفسها كقوة عالمية ومنافسًا قويًا للولايات المتحدة. والانتصار العسكري في سوريا له معانٍ رمزية على مستويات عديدة، ولكنه قبل كل شيء يعيد إحساس الشعب الروسي بالفخر الوطني وهو أمر يريد بوتين الاستفادة منه. فالنجاحات السياسة الخارجية لها أصداء قوية على الجمهور الروسي، وهي ما تُبقي الرئيس متمتعًا بشعبية في الداخل.

والانتصار المعلن من الجانب الروسي في سوريا يضع بوتين في دائرة الضوء كمُسير للحوار السوري. وتوقيت إعلان عن ذلك مهم جدا، ويُمكن القول إنه تم اختياره بعناية ليتزامن مع بداية حملته الرئاسية؛ ومن المحتمل أن تكون فكرة صنع السلام، القضية الرئيسية لسياسة الرئيس الروسي تجاه الشرق الأوسط، خلال فترة ولايته القادمة.

* تحويل الأنظار:

وتكافح روسيا حاليًا من أجل تحويل الأنظار بما يخص سوريا، وإقناع العالم بأن إنهاء الصراع في البلاد يتوقف على نجاح العملية السياسية. وهذا يتطلب من موسكو، أن تؤدي "حيلة" الدعاية بحرفية وجعلها مقنعة، خاصة أن وعود الانسحاب الروسي باتت لا تنطلي على أحد بالنظر إلى وعود مضللة مماثلة كانت في الماضي.
فيما يترجم البعض إعلان بوتين الأخير بالانسحاب أنه نهاية رسمية لحملته العسكرية الداعمة لرئيس النظام السوري بشار الأسد، بهدف كسب مودة المؤيدين لذلك.

* التنافس الروسي الأمريكي:

وفي الواقع السياسي الجديد، الذي مفاده "من يأتي أولًا يعمل أولاً"، فإن أي من يدعي النصر أولاً هو الذي يقف ليجني فوائده، وهو بالضبط ما يأمل بوتين القيام به، لأنه يشعر بأن له الحق في إعلان الانتصار في سوريا، حتى لو كان فقط بالكلمات.
وما هو أساسي بالنسبة إليه، هو تخليص الولايات المتحدة من أي وهم مفاده أنها يمكن أن تستفيد من فترة ما بعد الحرب.
وقد تسامحت روسيا مع الوجود الأمريكي في سوريا طوال فترة الصراع، رغم أن البيت الأبيض كان منزعجًا باستمرار للعمل في ساحة المعركة بشكل غير قانوني.

والآن موسكو تطالب واشنطن بمغادرة سوريا، انطلاقًا من مبدأ "عند انتهاء الحرب، يجب رحيل المقاتلين"، الأمر الذي ربما توافق واشنطن على تطبيقه على مضض.

وما يدعو للدهشة أن المنافسة بين روسيا والولايات المتحدة حول سوريا أصبحت حامية الوطيس، لا سيما بعد انخفاض حدة القتال فيها، وذلك في ظل حرب كلامية اندلعت بين البلدين حول "من الذي هزم داعش".

ويحاول كلا البلدين تصوير نفسه على أنه المنتصر في الحرب ضد التنظيمات الإرهابية، ومن ثم يحاولان ترشيد وجودهما بعد الحرب في سوريا.

ومن المحتمل، أن يحاول كلاهما إعادة تشكيل طرق وجوده في البلاد من خلال دعم الأطراف السياسية المتناحرة، حيث ستكافح موسكو وواشنطن من أجل الاحتفاظ بدور لهما في سوريا.